مذكرات رجل اعمال غادر عدن مكرها بسبب الحرب

إبراهيم محمد عبده داديه
الأحد ، ١٧ ابريل ٢٠١٦ الساعة ٠٦:٠٢ مساءً

في مثل هذا اليوم من العام الماضي عندما بلغت الحرب ذروتها وأصبحت حاميه الوطيس بالذات في عدن وخصوصا في منطقه المعلاء وفي محيط جبل حديد وكنت قد بدائت أغير رايي المتصلب الذي قطعته علي نفسي سابقا ببقائي في عدن مهما كان او حصل وكنت حينها في بيتي بكريتر الذي يلاصق جبل حديد والذي جعلني موقعه في قلب المعارك أعيش هول القتال والمعارك وقد بقيت فيه تحت نيران صواريخ الطائرات والدبابات والمدافع لما يقارب الشهر وأخيرا كتبت قصيده لوالدي واخواني لإبلاغهم باقتناعي اخيراً بترك عدن التي عشت فيها ما يقارب العقدين من احلي سنوات عمري وحياتي قلت فيها:-

 

افي ثغرك المحزون ابقي معذبً

           أسير لعشقي والقلوب بواكيا

ساترك من اهوي وان كنت مغرمً

        بكل الذي فيها ولو كنت قاسيا

سأرحل بالذكري بعيد لعلني

      يخف اشتياقي كلما كنت ناسيا  

وهل يا تري اخفي الحنين ولوعتي

            والقاء سواها للفؤاد مواسيا

فما مثلها في الارض والكون والدنا 

      سوي جنه الفردوس وصف موازيا  

عشقت سماها والخليج وبحرها

         وصوت هدير الموج للروح شافيا

احب المعلا والخساف وفيهما

         قضيت شبابي والسنين خواليا

وفي الدكة الحوراء كانت صبابتي 

            وزدت لها عشقا جميل وصافيا 

وشمسان لي خل صديق و صاحب

             وارسل ربي لي حديد محاميا

 وعشت مع الميناء حتي حسبته

              يبادلني عشقً و حبً مساويا

 ولي من رفاق الدرب صحب وأخوة

             وحبي لهم مثل الجبال رواسيا  

نجوم اضائوا النور من اجل موطني

           ليحي جميل باسم الثغر راضيا

 حملنا اماني المجد والعز والعلا

              وهان علينا دفع ما كان غاليا

وليس لنا من غاية غير ان نري

          لواء درة الأوطان في الأفق عاليا

بلادي حماك الله من كل معتد

                ومن كل مكروه وشر معاديا

 

         ابراهيم محمد عبده داديه

          عدن - ١٥ ابريل ٢٠١٥

 

كان والدي الحبيب وجميع اهلي واخواني وبالذات اخي محمد ويوسف حفظهما الله قد غمرتهم مشاعر السعادة والفرح بهذا القرار خاصة بعد ان استنفذوا كل أساليب الترهيب والترغيب والتهديد والتوسل والرجاء والضغط الشديد علي بالسفر والرحيل عن عدن منذ اندلاع شراره الحرب الاولي وًلاكنني رفضت بشده وأصررت علي البقاء ولاكن ما ان التهبت حرارة الصيف القاتلة في عدن ورافقها انقطاع الكهرباء واشتداد المعارك في محيط جبل حديد حيث اسكن ويقع مكتبي وجميع مخازن الشركة وأصولها وتضافر الجوع والعطش والخوف والحر والفزع في منتصف ابريل وعدم قدرتي علي تحمل مشاهد الحزن وألم والدموع والدماء والدمار في المدينه التي احببت والمكان الذي عشقت وبعد ان ارسلت للوالد الحبيب حفظه الله ولإخواني الأعزاء القصيده التي أعلنت فيها تغير موقفي من التمسك في البقاء بعدن فاستعجلوني   بترك كل شي والمبادره بالسفر فورا الا انني رفضت السفر المفاجئ وبدأت فعلا في تجهيز ترتيبات الرحيل الحزين وانا ادعو المولي سبحانه وتعالي ان يحدث شي يلغي ضروره الرحيل عن عدن ويوقف مشاهد الموت والدماء والدمار التي تحيطني من كل جانب واعيشها لحظه بلحظه وفي كل دقائق وثواني تلك الايام المأساويه الحزينه وانا احرص علي ان أظل محافظ علي وضوئي باستمرار طوال اليوم  تحسبا لاستلام حصتي من الموت بصاروخ او قذيفه حتي انهيت اهم ترتيباتي للسفر والمغادره صباح يوم الجمعه الموافق ٢٢ مايو ٢٠١٥ ذالك اليوم الحزين الذي جلست في ردهة منزلي وانا اجول ببصري في الإرجاء لاودع كل ما حولي وانا أذرف الدموع بمشاعر لم اري مثلها قط في حياتي واتنهد في حراره جمعت بين الحرقه والالم والحب والشوق والحنين لعدن قبل ان اتركها وانا اشعر بالضياع والياس والتيه وقد أمسكت القلم مودعً عدن وكل ما فيها من ذكريات المعلا وكريتر وخور مكسر والتواهي والميناء والعمل والزملاء والآمال والطموح والمستقبل في أبيات قلت فيها:-     

             

انا ما رحلت اليوم عنك مخيرا

                 بين الرحيل وعودتي وبقائي  

لا كنني اجبرت رغم تمسكي

                   لما رأيت تعاستي وشقائي

فدموع عينك قد جرت من مقلتي

                 حرا كنار الجمر من اجفاني      

وانين صوتك والجراح قتلنني

                 ونزيفها بين الحشاء ادماني 

فكانني انا من حملت جراحك

               والحزن في عينيك كم أبكاني

فوجدت نفسي في الحياة معذب

                    او بين ثغرك ميتً او فاني

فرحلت عنك اليوم دون ارادتي

                      لما اصر الأهل والإخوان       

وتركت بيتي والدموع غزيرة

               والحزن يهدم والأسي أركاني

والصدر منقبض يضيق بهمة 

                 والياس والاحباط يغتشياني

 والروح والوجدان خائرة القوي 

                    والعين والنظرات زائغتان

 واذا بقلبي بالأسي متفطر

                  والقهر والاحزان يختلجاني

عدن الحبيبة يا حقيقة مهجتي

             يا روح روحي والحشا وجنناني

انا قد عشقتك منذ سن طفولتي

                 وزرعت فيك محبتي وأماني

انا بين عينيك الجميلة من يرأي 

                 حسن يضئ بنوره وجداني

لوكان لي حق الخيار فانني

           ما اخترت غيرك رغم ظلم زماني  

ولئن رحلت اليوم عنك فلا ازل 

                      اذكرك كل دقيقة وثواني

سيظل حبك في الفؤاد مخلدا

              حتي تواري في الثري جثماني   

 

      ابراهيم محمد عبده داديه

          عدن ٢٢ مايو ٢٠١٥

    الجمعه صباح يوم الرحيل من عدن 

 

 وها انا اليوم في شوق انتظر الوقت المناسب لكي اعود الي عدن انا وزملائي من رجال المال والأعمال الذين فرقتهم الحرب بين الشرق والغرب وكلنا شوق وحنين في ان نعود الي   أيامها الخوالي الصافيه النقيه التي احببناها بها في حياه وعيش وعمل تحت مظله الامن والاستقرار والتنميه والسعي نحو تحقيق امالنا واحلامنا وطموحاتنا التي طالما حملناها للوطن وسعينا من اجلها في التعاون علي تحريك عجله الاقتصاد وكنا السباقون في الاسهام الفاعل في تطويرها وتحديثها والنهوض بها وكل ما نرجوه هو ان تسود بين ابناؤها واَهلها ومحبيها الأخوة والسلام وألفه والمحبة والود والتعاون والايثار والتسامح وكلنا شوق وحب وحنين اليها 

 

 شوقي اليها يغطي كل وجداني

                وذكرها في ليالي الانس يغشاني

والروح والقلب والعينان تعشقها

               في كل وقتي مع صحوي واحلامي

لا زلت اذكر ايام الصبا معها

                ما اجمل العمر في ارجاء اوطاني

اني رأيت جمال الكون مختزل     

                   في تغرها و فوادي كان برهاني

في سفح شمسان عشنا العمر في فرح  

                والدار فيها الهوي والعشق صنوان

ولست اعرف ماذا اليوم ابعدني

                 هل انشغالي بخط الشام اعماني 

يا ويح قلبي متي الايام تجمعني

                بروح روحي وهذا الشيب غطاني

يا منية الروح والدنيا وزينتها

                   يا مهجة القلب يا عقلي واركاني

لا زلت في العهد مهما طال بي سفرً

          لا تحسبي العيش في المطراق انساني

اني سأكتم حبي والهوي كمدا

                حتي أراكي وأروي كل أشجاني

 

           ابراهيم محمد عبده داديه

             الحديده  - ٣ يناير ٢٠١٦

 

الوطن يتسع لكل ابنائه وما علينا سوي ان تتوفر لدينا رغبه صادقه في السلام و إرادة حقيقيه في التعايش والقبول ببعضنا البعض ونتقارب فيما بيننا ونقدّم التنازلات لبعضنا البعض ونعمل علي مداواة الجراح وتطييب الخواطر وحل الخلافات وترسيخ الوحدة الوطنيه وتماسك النسيج الاجتماعي بجد وصدق واخلاص لكي نستطيع اعاده بناء الوطن من جديد ونحصل علي العيش والحياة الحره الكريمه التي نطلبها ونضمن حياة ومستقبل افضل لنا وللأجيالنا القادمه .

 

ستبقي علي الارض يا موطني

                       تزينها مثل عقد فريد

غداً سوف تغدوا عروس الدنا

                وشمس تدك الضلام البليد

سيبزغ فجر المني عندنا   

               ويبداء في العمر يوم جديد

ويشرق صبح جميل لنا

                     ويعلن ميلاد عهد تليد  

وتغدوا الماسي من الذكريات

                 نحدث عنها الزمان الوليد

وكل المصاعب في دربنا

                 سنجتازها رغم كل الوعيد

 مع الصبر تصبح احلامنا

               علي الارض حقً وشئ اكيد

وبالجهد والصدق نجني بها    

                  ثمار بما نشتهي و نريد

ونبني علي الخير بنيانها

                 وتحيا بلادي بعصر مجيد

وتخضر بالزرع وديانها

            ويبقي بها كل شخص سعيد

وننشد لحن يذيب الجفاء

                  ونزرع فيها الوفاء الحميد

ونبقي بها كلنا اخوة

               وان اصبح الشر فيها عنيد

 تذيب العواطف برد الجليد

            كما تصهر النار عنف الحديد   

وينتصر الحب في ارضنا

             علي الكره او همهمات العبيد

ويعقب ظلم ظلام الدجي 

                    نهار تجلي بنور شديد 

ليبهر حسنك يا موطني

                     عيون الذين رأوك بعيد   

 سترحل عنك شرور الوغاء   

                  وتبقي جميلاً قوياً رشيد

                

        ابراهيم محمد عبده داديه

          الحديده -٢٠١٦/٢/١٢

الحجر الصحفي في زمن الحوثي