كيف «كلفت» صالح الجميع؟!!

بلال الطيب
الأحد ، ١٧ يناير ٢٠١٦ الساعة ٠١:٢٨ مساءً
بعد مقدمات خائبة و«اتفاقية هشة» أبرمها «البيض» و«صالح»، تحققت الوحدة اليمنية «22 مايو1990»، بدت كمخرج لـ «قيادة شمالية» طموحة تبحث عن «برنامج» يجمع الشعب حولها، ومخرج لـ «قيادة جنوبية» مُنهكة، شارفت خزينها على الإفلاس، انحسرت شعاراتها وإنجازاتها، مع تفكك منظومة داعميها، وهذا المأزق أكبر بكثير من المأزق الشمالي، لذا فقد كانت الهرولة إليها بلا كوابح.
 
 
دخل «شركاء الإنجاز» من الوهلة الأولى في صراع ليس «ايدلوجي» بقدر ما هو «مصلحي»؛ تاجروا بأحلام البسطاء ومشاعرهم، وفصلوا الدولة على مقاساتهم، وكان همهم البقاء على رأسها، والتمتع بامتيازاتها، ظلت الوحدة مرهونة ببقائهم؛ وظل كل طرف يتربص بالأخر، بدليل عدم إدماج الجيشين، بما يشبه الاستعداد المسبق لأي طارئ، قد يزيح هذا الطرف أو ذاك.
 
 
بانتهاء «الفترة الانتقالية ـ الانتقامية» بلغ الصراع مداه، أحس أحد «شركاء الانجاز» بهزيمة شبه مدوية أمام خيار «الديمقراطية» الذي كان محل رضاه، ومع بروز طرف ثالث تقليدي لم ينضج بعد؛ طغت «الايدلوجيا» على «المصلحة»؛ وحضرت صراعات الماضي غير البعيد، وغابت «الوحدة» التي كانت حتى الأمس القريب «تجب ما قبلها».
 
بدى التجمع اليمني للإصلاح وكأنه صنيعة سلطوية بدليل ذلك الايعاز الذى اكتنف لحظات تأسيسه الأولى من الرئيس «صالح» إلى الشيخ «الأحمر»، حسب مذكرات الأخير، بلم شتات الاسلامين في «حزب» يكون رديفاً لـ «المؤتمر»؛ وقال له حينها: «نحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة».
 
بعد أحداث الشغب التي اجتاحت تعز وصنعاء نهاية العام «1992»، عقد الإصلاح مؤتمر «الوحدة والسلام» لتأكيد حضوره الجماهيري، عمل على إخمـاد مواضع الانفجار، مـع ميل خفي نحـو «صالح»، ليتحول فيما بعد إلى «خادم مُطيع» لهذا الأخيـر، بدليل تحميل الشيخ «الأحمر» وعبدالوهاب الأنسي الحزب الاشتراكي وحده مسؤولية افتعال الأزمة، رغم أن أكثر من «150» من كوادر «الحزب» تعرضوا للاغتيال، دون أن تفصح السلطة عن أي غريم.
 
كانت رؤية «عودة الفرع للأصل» لا تزال مسيطرة على الزعامات القبلية التي كانت وما زالت تلعب دور المصلح التقليدي، وهو الدور الذي غاب وغيب لحظتها، ما جعل القيادات الجنوبية تشعر أن دورها أصبح ثانوياً، خاصة بعد إجراءات تعديل الدستور الانفرادية، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما سمي بسياسة «الاعتكاف»، اختزل «البيض» مطالبه بـ «الوحدة والديموقراطية والحياة»، لا «الوحدة والموت»، فيما بقي «الحكام الجدد» يترقبون «عودة الابن الضال».
 
 
لم يعد «البيض» بل ذهب الجميع إلى الأردن «20فبراير 1994»، ووقعوا هناك على بنود «وثيقة العهد والاتفاق» بعد تلكؤ شديد من حزب «صالح»، وإصرار كبير من حزب «البيض» الذي اعتبر تلك الوثيقة بمثابة انتصار له، كونه استطاع أن يتجاوز البرلمان الذي لا وجود مؤثر له فيه، كما استطاع أن يضع كافة شروطه ومطالبه التي تضمن له النفوذ والبقاء في السلطة، سواء أكان ذلك عن طريق تجريد الرئيس من كثير من مهامه وإعطائها لرئيس الوزراء، أو عن طريق فرض «نظام اللامركزية»، وتجريد الطرف الآخر من أبرز وسائل قوته بإخراج وحدات الجيش من المدن، وإلغاء وزارة الإعلام، وتقليص صلاحيات البرلمان بإنشاء مجلس للشورى يختار أعضاؤه من أبناء المحافظات بالتساوي، ومنع حيازة السلاح، والعمل على إنهاء الوجود المسلح غير الرسمي في إشارة إلى أسلحة القبائل، والكثير من البنود التي تؤسس لدولة مدنية كانت وما زالت حلم الجميع.
 
 
في اليوم التالي، وأحبار أقلام من وقعوا تلك الوثيقة لم تَجف بعد، بدأت المدافع في محافظة أبين تتبادل القصف بين قوات لواء «العمالقة» الشمالي وقوات لواء «مدرم» الجنوبي، لتندلع الحرب الشاملة «4مايو1994»، فيما ظلت مهمة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي تراوح مكانها؛ ورغم الدعم المهول الذي حظي به الحزب الاشتراكي «الكافر»؛ من قبل الإمارات والسعودية «الرجعيتان»؛ حسم «صالح» المعركة لصالحه خلال «68» يوماً، وصار الحاكم الأوحد، وبيده مقاليد كل شيء.
 
 
في مذكراته يعتقد الشيخ «الأحمر» أن السعودية لم تكن ضد الوحدة، وأنها لو كانت كذلك لمنعتها في مهدها، والحقيقة أن الوحدة تحققت بدعم من الرئيس العراقي صدام حسين، الرجل الأقوى حينها، الذي كانت تهابه دول الخليج؛ كانت علاقته مع «البيض» و«صالح» جيدة، بل أن الأخير أرسل آلاف الجنود اليمنيين لدعم العراق في حربها مع إيران؛ وكان ينعت بـ «صدام الصغير»؛ ويقال أن التعجيل بإعلان الوحدة بـ «6» أشهر عن المدة المتفق عليها، جاء بإيعاز من «صدام الكبير»، الذى وقع بعد أقل من «3» أشهر في مصيدة غزو «الكويت»، وجعل «العرب» قبل «الغرب» يسارعون للتخلص منه، رحلَّت السعودية حينها مليون مغترب يمني، وما ذلك إلا جزء يسير من اعتراضها على الوحدة.
 
 
لا يمكننا الجزم أو الخوض في تفاصيل مبادئة طرفي الصراع، سوأ في «أبين أو عمران أو يريم أو حرف سفيان»، كونه «ورقة خفية» من مهازل التآمر السياسي المحفور بعناية في تاريخنا وواقعنا المأزوم، ونتيجة حتمية لفشل الصيغة السياسية السرية التي صنعت «الوحدة» المأزق؛ ومن حقنا أن نتسأل: هل الحزب الاشتراكي المنتصر لحظتها من خلال تلك الوثيقة «أحمق» ليجازف بنسفها، أم «المستفيد» طرف آخر نعرفه جيداً؟!.
 
يحسب لـ «صالح» إجادته اللعب بالأوراق، وحسن دراسته كمستبد فائق الذكاء لنفسيات خصومه، وبالتالي «كلفتت» الجميع، استغل سذاجة «شركائه الجدد»، فكانوا بالفعل سنده البارز في تثبيت دعائم حكمه الإقطاعي، ولولاهم ما أنتصر في حرب «صيف 1994»، التي قتلت الآلاف، وتسببت بخسائر فادحة تجاوزت الـ «10» ملايين دولار، وضعهم بين فكي كماشة «عقدتهم المتجددة» التي يلخصها المثل الدارج «أعور ولا أعمى»، أو بالأصح «جني تعرفة، ولا إنسي ما تعرفوش».
الحجر الصحفي في زمن الحوثي