إيران في الكمين !!

فهد الدغيثر
الأحد ، ٠٥ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٦:١٩ صباحاً
أخيراً أوصلت الظروف إيران إلى المكان الذي لن يحسدها عليه أحد، سيتعلم ساسة الجمهورية الإسلامية من اليوم دروساً جديدة لم يعتادوا عليها في كل تدخلاتهم السابقة في شؤون الغير دولاً أو أحزاباً، إيران حاولت قبل بضعة أعوام التدخل في اليمن، لكن حليفها الحوثي أخطأ التقدير عندما ناوش حدود المملكة الجنوبية وحدث ما حدث، هذه المرة قرر الحوثي تغيير اللعبة وتحقق له ما أراد قبل أسبوعين بكل يسر وسهولة فاجأت الجميع، بمن فيهم الحكومة الإيرانية نفسها، منذ ذلك الوقت والأبواق الإيرانية تتحدث عن النصر العظيم.
 
 
توجه إيران نحو اليمن سبقه عدد من حالات الفشل المدوية في مواقع أخرى، «حزب الله» في لبنان تحول من رصيد احتياط على المستوى السياسي إلى عبء مالي ضخم ولا منافع سياسية تذكر، قبل عامين تمت إضافة سورية في محاولة لقتل الثورة هناك والإبقاء على نظام بشار الأسد، وتدخل «حزب الله» بعتاده ورجاله، والله وحده يعلم ما الذي ستؤول إليه الحال هناك بعد مواجهة «داعش» وقوات التحالف الدولي.
 
المؤكد أن إيران ستخسر ما راهنت عليه حتى مع كل ما قدمته من دعم مالي لخزانة الأسد، تدخلها في العراق بعد وصول المالكي كان كارثياً إلى الحد الذي دفعهم إلى تقبل إزاحته واستبداله قبل شهرين، إذ ولدت علاقة المالكي مع طهران ما أصبح يعرف بـ«داعش» التي أجرمت بالعراقيين وتمددت إلى خارج العراق، وأحدثت فوضى عارمة وردود فعل عالمية غاضبة، حاولت إيران الدخول في شؤون مصر وفشلت مع سقوط «الإخوان المسلمين»، جميعنا يعلم كيف طار «الإخوان» فرحاً بتقاربهم مع أحمدي نجاد، والذي توج بزيارة الأخير في عهد محمد مرسي إلى القاهرة. في غزة تدخلت إيران ودعمت ثلاثة حروب أقدمت عليها «حماس» ضد إسرائيل، وكلها تنتهي بالدمار والبؤس في ذلك القطاع وساكنيه الأبرياء، اليوم تقر «حماس» وتسلم برامج إعادة إعمار غزة إلى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، ما الذي استفادت منه إيران في دعمها لـ«حماس»؟ لا شيء بل المزيد من الخسائر المادية والمعنوية.
 
أما البحرين فماتت محاولاتها في مهدها عندما تحركت القوات عبر جسر الملك فهد، في هذا المقام لا يمكن نسيان محاولات إدخال المتفجرات إلى المملكة عبر بعض الحجاج، إذ تمكنت جمارك المملكة من اكتشافها في المطار.
 
ما الذي يدفع إيران أصلاً إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى والأحزاب والجماعات؟ اليمن ليس إلا آخر العنقود، لو نتأمل سنجد أنها حاولت التدخل في كل بلدان الشرق الأوسط بلا استثناء، وإن بدرجات متفاوتة.
 
الدولة المهمة الوحيدة التي لم يتدخل بها ساسة وملالي قم هي إيران نفسها، وهذه حقيقة، فمنذ ثورة الخميني وإيران منشغلة بدول أخرى تاركة الشعب الإيراني والتنمية الداخلية وراءها، الحقيقة أن هذا سلوك معتاد تمارسه كل الأنظمة المؤدلجة، لأنها ببساطة لا تستطيع العيش في أوقات السلم، وتحتاج إلى وجود عدو في كل الأوقات لتوحيد شعبها، وجود العدو المفترض المتربص يساعد الحاكم المستبد في فرض أية أنظمة استثنائية، يصل بعضها إلى حدود الأنظمة العرفية وإعلان حالات الطوارئ من دون أن تتمكن الشعوب من الاعتراض خوفاً من التخوين والعقوبة.
 
 
المغامرة الأخيرة برأيي ليست كغيرها من المغامرات، اقتصادياً وبحسب تقارير دولية موثوق بها، اليمن يعتبر على حافة الإفلاس لعوامل عدة، من أهمها توقف إنتاج النفط بسبب تفجير الأنابيب المتكرر، أخيراً ألغت الحكومة رفع الأسعار بسبب تذمر المواطنين وهذا مفهوم جداً في النظر إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة إلى مستويات مرعبة.
 
على الحوثيين وهم يسيطرون على مفاصل الحكومة هناك وداعميهم في طهران إن ظنوا أن بمقدورهم كسب ولاء أهل اليمن أن يفعلوا ما يدفع المواطن اليمني إلى الشعور بالتغيير نحو الأفضل، وبالنظر إلى عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة فإن هذه المهمة ستكون شبه مستحيلة من دون أن يتأثر الاقتصاد الإيراني بها، والذي هو الآخر يعاني الكساد.
 
دينياً ومذهبياً لا يوجد توافق يذكر بين الشيعة الاثنا عشرية وغالبية سكان اليمن السنة، فكيف للقبائل اليمنية العريقة أن تتقبل حكماً يسيطر عليه أئمة من المذهب الشيعي؟ هذه أسئلة صعبة جداً ولا أتوقع أن لدى ساسة إيران أجوبة لها، حتى وإن قدموا الملايين للخزانة اليمنية.
 
هذا ما قصدته عندما اخترت عنوان هذه المقالة، اليمن سيستنزف الخزانة الإيرانية بشكل غير مسبوق، إيران وإضافة إلى ما ذكرت من عوامل، تعاني نسبة تضخم وصلت إلى معدل 38 في المئة أخيراً، أعوام أحمدي نجاد الثمانية على مستوى التنمية كانت الأسوأ في تاريخ إيران ما بعد الشاه.
 
العقوبات الاقتصادية الدولية لن تتغير في القريب العاجل على رغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس روحاني، مفاعلاتها النووية سيتم تدميرها أو إلغاء فاعليتها، ولن يسمح العالم لإيران بامتلاك السلاح النووي، خريطة المنطقة تموج ولن تصب لمصلحة ما توقعته الحكومة الإيرانية عندما تدخلت في كل مكان، نظام بشار سيفقد مكانته عاجلاً أم آجلاً.
 
 
القضاء على الإرهاب من خلال التحالف الدولي الجديد والشكر هنا لـ«داعش» وتهوره، سيمضي لأعوام وقد يمتد إلى مواجهة إرهاب الجماعات الشيعية وربما «حزب الله» نفسه، قد أفهم هذه التدخلات الإيرانية وفي غياب الاحتلال الفعلي للأرض الذي لن يقبل به أحد اليوم، أقول سأفهمها لو كانت تؤثر إيجاباً في الميزان التجاري بين إيران وبين تلك الدول، لكن أن تتدخل وتنفق كل هذه المدخرات والأرصدة لأربعة عقود تقريباً بلا أي عائد، بل ويتسبب ذلك في بؤس شعبك وحرمانه من حقوقه، فهذا هو الخسران المبين، حقيقة هذا ما تفعله إيران بحسب الوقائع والنتائج والأرقام، ومن يأتي بكلام يخالف ذلك فهو إما مأجور، أو لديه أهداف أخرى لم يفصحها، أو أنه مصاب بالهلع والخوف من أبواق إيران ومن يتحالف معهم وترتجف فرائصه إلى الحد الذي يفتقد معه التركيز.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي