الدوامة المصرية

علي الظفيري
الثلاثاء ، ٢٩ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٣١ مساءً
كل ما يجري في مصر، ما بعد الثالث من يوليو الماضي، لا يمت للعقل بصلة، ولا يمكن أن يتخيله إنسان، على الأقل في عصرنا هذا، ويفترض هنا أننا نتحدث بعد أن استقرت الديمقراطية كنظام حكم في أماكن كثيرة في العالم، وبعد أن أصبح الحديث عن حقوق الإنسان أمرا بديهيا، وبعد أن تجاوزت أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأجزاء من إفريقيا وقطاع واسع من آسيا عقدة الاستبداد، على الأقل في جوانبه المظلمة والبشعة، مما يجعل من الصعب علينا القبول بما يجري في مصر السيسي، مصر التي يريد لها أصحابها العودة آلاف السنين إلى الوراء، بعد أن هزت ثورة 25 يناير سكونها، وصدمتها كما يجب للحاق بركب الدول المتحضرة والحديثة.
 
البارحة فقط، تحال إلى المفتي أوراق إعدام قرابة 600 مصري، من بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي كان أحد أعضائها يرأس البلاد قبل أشهر، والتي كان يرأس أحد أعضائها مجلس الشعب المنتخب من قبل الشعب المصري، والتي كان يمثل أعضاؤها نصف مجلس الشورى المنتخب أيضا، وهي الجماعة التي أنشأت أول حزب سياسي بعد الثورة، وهؤلاء، المحالون إلى المفتي لإقرار إعدامهم، ليس من ذنب اقترفوه سوى الرفض وعدم قبول الانقلاب على الديمقراطية، والذي قاده الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المعين في عهد الرئيس المنتخب، هذه جريمتهم الوحيدة، واتركوا عنكم الصفحات المرفقة في ملفاتهم، كل ذلك لا يعدو سوى تفاصيل يراد لها تبرير الجريمة الرئيسية المتمثلة بأحكام الإعدام.
 
ليست الإعدامات وحدها الشاهد على جنون المرحلة الجديدة في مصر، كل شيء يعزز من هذا الجنون، كل شيء تقريبا، من الإعلام إلى الخطاب السياسي السائد، وصولا إلى ثقافة التحريض والكراهية التي يتم غرسها يوميا في الشارع المصري، في ظل الجهل والأمية والخوف المتفشي في المجتمع، والذي يجعل من شرائح كثيرة لا تتماسك أمام عملية التعبئة القائمة، وتنخرط بوعي أو دون وعي في هذه الحملة التدميرية للبلد، والتي لا يمكن لأي طرف من الأطراف، مهما كانت قوته وتأثيره، أن يجني ثمارها ويجيرها لصالحه طول الوقت، الدمار الذي تتم رعايته الآن سيطال الجميع، ويعقد من عملية الإصلاح في المحروسة، وستظهر نتائجه في الحياة العامة، وفي الأعمال والمدارس والمستشفيات والاقتصاد، وحينها سيدخل البلد في أتون دوامة لا يمكن لأحد إيقافها.
إن أكبر مشكلة تواجهنا اليوم، الاعتقاد بأن الحال ما هو إلا معركة بين طرفين، على أحدهما أن ينتصر، وبأية طريقة كانت، وعلى حساب أي شيء، وكل شيء، وهذا ما يدفع البلاد إلى الكارثة يوما بعد يوم، دون أن يشعر أحد، نتيجة الاحتقان، والتعبئة، والمعايشة اليومية. أي مصير ينتظر الجميع، وقد أسهم تدخل الخارج في تأجيج الأوضاع بشكل لا يحتمل، وتحولت الأطراف المحلية إلى أدوات تنفذ ما يريده الآخر لا ما تريده هي، وكبرت كرة الثلج حتى غدت معركة عربية إقليمية يغذيها كل طرف بحساباته ومصالحه ومشاريعه.
 
إن مصر اليوم على مفترق طرق، وما لم تصل الأمور فيها إلى تسوية عادلة وتاريخية للخروج من الأزمة الطاحنة التي تعيشها، لن يتوقف مسلسل العبث والتدمير، وستتحقق نتائجه بشكل يفاجئ الجميع، وسنحتاج إلى ألف يناير حتى نبدأ من جديد، وهذا ما لم تتضح بوادره حتى الآن.
 
العرب القطرية
الحجر الصحفي في زمن الحوثي