التراشق الكلامي السوري الروسي حول ترشح الاسد في الانتخابات الرئاسية.. الاسباب والتوقيت والنتائج

عبدالباري عطوان
الثلاثاء ، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٣٠ صباحاً
 
في العلن.. هناك خلاف روسي سوري حول الدور المقبل للرئيس السوري بشار الاسد في المرحلتين الانتقالية و"الدائمة".. في السر ليس هناك اي خلاف على الجوهر وانما في التفاصيل وعملية الاخراج.
 
ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي يلعب دورا "تبادليا" مع رئيسه سيرغي لافروف، من مواصفاته ان يقول ما لا يستطيع الثاني قوله في العلن، لايصال رسائل مختلفة الى هذا الطرف او ذاك تحمل الكثير من المواقف المبطنة او غير المباشرة، ويتضح هذا من خلال التصريح المفاجيء الذي ادلى به يوم امس ووصف فيه تصريحات الرئيس بشار الاسد حول عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة بأنها تؤثر على المناخ، ولا تجعل الموقف اهدأ بأي حال".
 
قليلة هي الانتقادات الروسية للرئيس الاسد ومواقفه، ومن قبل "نائب" وزير خارجية، وبمثل هذه الطريقة التي تظهر انزعاجا او عدم رضا، في نظر البعض، ولكن الحقيقة قد تكون مغايرة لذلك تماما.
 
الروس يعلمون جيدا ان الرئيس السوري لن يتنازل عن السلطة بهذه السهولة بعد كل ما جرى، وبعد تحسن وضعه او عدم تدهوره على الارض، ولن يذهب الى جنيف لتسليمها للمعارضة، ولا يمكن ان يقبل من وجهة نظر من يعرفونه، بدور هامشي، والا لما استمر في تبني الحلول الامنية والعسكرية الشرسة ونتائجها المدمرة طوال الاعوام الثلاثة الماضية من عمر الازمة، ولكنهم، وهم يقفون على اعتاب مؤتمر جنيف الثاني، وينخرطون في عملية الاعداد لقوائم الدول والافراد المشاركة فيه، والصيغة التي يمكن ان تتبلور في نهاية اعماله، لا يريدون اي تصريحات، او مواقف علنية، تعرض دبلوماسيتهم لعقبات اضافية، خاصة بعد ان اقنعوا المعارضة السورية، او معظمها، ومن خلفها الادارة الامريكية بوضع تنحي الرئيس السوري كشرط للمشاركة في المؤتمر جانبا، وعدم الاصرار عليه في التصريحات الصحافية.
 
السيد فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري لم ينتظر الا ساعات معدودة للرد على نظيره الروسي بوغدانوف عندما قال "لا يمكن لاحد ان يمنع الرئيس الاسد من الترشح لولاية رئاسية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية في تموز (يوليو) عام 2014.
 
***
 
ماذا يعني هذا التراشق بالتصريحات بين الحليفين الروسي والسوري في مثل هذا التوقيت الحرج، وهل هو عفوي ام متفق عليه؟ هناك عدة تفسيرات يمكن ان تقدم اجابة، ولو جزئية، على هذا السؤال:
 
*الاول: ان تكون روسيا تدرس فعلا صيغة الادارة الامريكية من اجل تقليص صلاحيات الرئيس السوري في الفترة الانتقالية التي قد تطول لسنتين، مما يعني تأجيل او الغاء الانتخابات الرئاسية العام المقبل التي من المقرر ان تتم باشراف النظام السوري.
 
*الثاني: ان يكون الرئيس الاسد استشعر هذا التوجه الروسي، وتوجس منه، وقرر ان يرفع في وجهه "الكارت" الاحمر مبكرا، لقطع الطريق على اي صيغة تحاول تهميشه، او دوره، في مؤتمر جنيف المقبل، الامر الذي دفعه الى انتهاز كل فرصة اعلامية ممكنة للتأكيد على عزمه خوض الانتخابات المقبلة متبعا اسلوب التدرج، اي تجنب الاجابة بداية، ثم بعد ذلك القول بأنه سيقبل بالترشح اذا رغب الشعب السوري ذلك، واخيرا استقر الرأي على التأكيد على عزمه الترشح، والفوز الحتمي في نهاية العملية، والا لما قبل باجراء الانتخابات اصلا.
 
السيد المقداد وجه سؤالا للمعارضة بانه لماذا لا يحق لمواطن سوري (اي الاسد) ان يترشح؟ من يمكن ان يمنعه؟ لكل مواطن سوري الحق في ان يكون مرشحا، والرئيس الاسد ليس مواطنا عاديا فحسب على اي حال، فمن غيره يتربع على قمة مؤسستين هما الاهم والاقوى في البلاد، اي المؤسسة العسكرية والاخرى الامنية، ومن المستبعد ان يتنازل عنهما في مؤتمر جنيف، لان التنازل هنا يعني نهايته، اللهم الا اذا تخلى عنه حلفاؤه الذين امدوه بكل اسباب القوة والبقاء، مثل روسيا وايران وحزب الله، ولا يوجد اي مؤشر على ذلك حتى الآن على الاقل.
 
الدول الغربية وامريكا بالذات، استوعبت جيدا دروس اخطائها في كل من العراق وليبيا، وبدرجة اقل مصر، فحتى هذه اللحظة لم تجرم الرئيس السوري، او تطالب بتقديمه الى محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، مثلما حدث مع العقيد معمر القذافي ورجاله، وتوقفت كليا عن تشكيلها بل ونزع الشرعية عنه ونظامه، والمطالبة بسقوطه.
 
الرئيس السوري تعلم جيدا ايضا من اسلوب حليفه الايراني في المقابل، اي ان يقول "نعم ولكن"، ويظهر اقصى درجات الايجابية في التعاطي مع المؤتمرات الدولية، ويستمر في الوقت نفسه، في جر الجميع الى "حافة الهاوية"، وهذا السلوك هو احد ابرز اسباب بقائه حتى الآن الى جانب اسباب اخرى لا تقل اهمية مثل صمود جيشه.
 
***
 
اللعب على عنصر الوقت عنوان رئيسي للدبلوماسية السورية، وهي دبلوماسية تذكرنا بقصة الشامي الذكي الذي تعهد للملك وهو يقترب من حبل المشنقة انه لو اعطي عاما فقط تأجيلا للتنفيذ، فانه سيعلم حصانه الكلام، فلبى له الملك رغبته، وعندما سأله صديقه ان مهمته مستحيلة، والحصان لن يتكلم ولو بعد قرن وليس عاما، فرد عليه بالقول "خلال عام اما ان يموت الملك او الحصان او انا".
 
من كان يصدق امكانية حدوث اتفاق ايراني امريكي، او اتفاق سوري امريكي برعاية روسية حول الاسلحة الكيماوية؟ ومن كان يحلم بان امريكا ترغب بالتفاوض مع بعض الجماعات الاسلامية الجهادية المقاتلة (الجبهة الاسلامية) التي تريد اقامة دولة اسلامية تطبق الشريعة الاسلامية كاملة، والثانية ترفض؟ او ان يواجه السيد رجب طيب اردوغان الوضع الحرج الذي يعيشه حاليا، وتحول تحالفه مع محمد فتح الله غولن الى حرب شرسة بين الصديقين الاسلاميين الحليفين، واخيرا من كان يتوقع حتى اشهر قريبة ان يقدم سفير قطر في بيروت اوراق اعتماده "الموازية" الى السيد نعيم قاسم نائب رئيس حزب الله اللبناني المقاطع خليجيا والمدرج على قائمة ارهاب الحكومات الخليجية؟
 
كل شيء غير مستبعد هذه الايام، والمنطقة العربية حافلة بالتغيرات المتلاحقة، فمن كان يتوقع ان يصبح المعيار للحكم على الجماعات الجهادية المقاتلة على الارض السورية هو مدى قربها او ابتعادها عن "القاعدة" وفكرها، فمن يتبنى عقيدتها ويعلن الولاء لها هو المتطرف، ومن يبتعد عنها ويحاربها هو "المعتدل" الذي يجب ان يشارك في مؤتمر جنيف ويتحاور مع الامريكان!
 
لا استغرب ان نستيقظ في يوم قريب على اعلان نبأ مفاوضات سرية بين مندوبين امريكيين ونظرائهم في الجبهة الاسلامية في "مكان ما" في المنطقة العربية او العالم، وان الارضية المشتركة هي قتال الاسلام "المتطرف" فامريكا بدأت بالجيش الحر، والآن تنتقل اذا لقت قبولا الى الجبهة الاسلامية، وربما "داعش" او "النصرة" لاحقا، او حتى النظام نفسه، والمفاجآت كثيرة هذه الايام!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي