تمرّ اليمن بمرحلة حرجة من تاريخها الحديث، تتسم بتعدّد السلطات وتشتّت القرار الوطني، وتراجع أداء مؤسسات الدولة الشرعية، في وقتٍ تتصاعد فيه المطالبات بالحكم الذاتي وتقرير المصير، ويبرز من جديد خطر المشاريع المناطقية والفئوية التي تهدّد كيان الدولة، وتزيد من تعقيد المشهد اليمني.
هذا المقال يحاول أن يُسلّط الضوء على أهمية العودة إلى دولة موحّدة ذات سلطة جامعة، وكيف أن غيابها تسبّب في تفكّك المشروع الوطني، وفتح الباب أمام مخاطر جسيمة تهدّد الجمهورية ووحدة أراضيها.
لقد مرّت ثلاث سنوات على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، دون تحقيق الأهداف التي أُنشئ من أجلها، وعلى رأسها: إنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، وتحقيق السلام.
ولم تُنجز الحكومة تقدّماً يُذكر في الملفات الاقتصادية، ولا في فرض هيبة الدولة أو مكافحة الفساد، كما لم تتمكن من الوفاء بأبسط التزاماتها تجاه المواطن.
إن الخلل لم يكن فقط في الأداء، بل في التقصير والتباطؤ في الاستجابة السريعة للمطالب المستحقة لحضرموت وغيرها من الفئات والمناطق، بل كذلك في غياب التوافق ووحدة القرار السياسي والعسكري، حيث لم تُنشأ غرفة عمليات موحّدة، ولم تُملأ مؤسسات الدولة بحسب معايير الشراكة والتوافق والكفاءة، بل بقي كل طرف متمسكًا بمشروعه الخاص وبما يسيطر عليه على الأرض، مما عزّز الانقسام، وأضعف الدولة المركزية.
غياب الدولة أدّى ويؤدي إلى مخاطر جسيمة، من قبيل تصاعد المطالب المناطقية والمناطقية، وعودة مشاريع الكانتونات والمشيخات والسلطنات إلى الواجهة. إن هذا الغياب يشكّل حاضنةً لنموّ تلك المشاريع، فبات الخطر داهمًا على كيان الجمهورية ووحدتها، وعلى سيادة أراضيها... لعلّ الهبّة الحضرمية البارحة تُوقظ مجلس القيادة الرئاسي وتُنبّهه إلى أن مشروعيته على المحك؛ فإذا ما انفرط العقد فلا شرعية له، بل سيُحاسب أعضاؤه ويُحاكمون على التفريط والحنث بالقسم الذي أقسموه.
وفي ظني، لم يكن ما يحصل ليحصل، لو أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية لم تُخلف تعهداتها بالحفاظ على وحدة اليمن، ولم تدعم مشاريع صغيرة، أو تنشئ تشكيلات عسكرية خارج إطار الدولة، وتُمدّها بالمال والسلاح، مما فاقم من استفزاز الآخرين، ودفعهم للظهور بقوة، ورسّخ منطق الغلبة بدلًا من منطق الدولة.
ولا شكّ أن السلطة الشرعية تتحمّل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، إذ لم تُقدّم نموذجًا يُحتذى به في مناطق سيطرتها، وبقيت مستكينة لإملاءات الحوثيين، دون تحرّك جادّ لإنهاء الانقلاب، أو لتوسيع قاعدة الشراكة الوطنية.
وفي ظل هذا الوضع، من الضروري تفادي الأسوأ؛ فلو قُدّر لمشاريع صغيرة أن تُفرض على أي جزء من اليمن، فإن ذلك سيدشّن حربًا أهلية طاحنة، وقد ينخرط كثيرون من الموالين للشرعية في صفوف الحوثيين بحجّة الحفاظ على وحدة اليمن. أُحذّر بشدّة من حدوث ذلك. لذا، نُهيب بالسلطة الشرعية الإسراع في تحقيق المطالب المهنية والخدمية للمحتجّين والمطالبين، وسرعة توفير الاحتياجات الضرورية، وإشراك السلطات المحلية في اتخاذ القرار والتنفيذ، وعلى مستوى جميع المناطق المحرّرة، والتحرّك الجاد لإنقاذ ما تبقّى من الدولة، وذلك من خلال:
1. إعادة هيكلة السلطة الشرعية بتقليص عدد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى رئيس ونائبين فقط.
2. تشكيل حكومة كفاءات تكنوقراطية تُعنى بالإصلاح الاقتصادي والإداري.
3. أو تشكيل حكومة حرب، في حال رفض الحوثيون الدخول في العملية السياسية بجدّية.
4. التحرّك الفوري في مختلف الجبهات لتحرير ما هو تحت سيطرة الحوثي.
5. فرض نموذج ناجح في المناطق المحرّرة، يحترم القانون ويُعزّز من قيمة المواطنة، ليكون بديلاً جاذبًا عن سلطة الأمر الواقع.
ختامًا...
لا يمكن لليمن أن يستقر أو ينهض إلا بوجود دولة جامعة وسلطة واحدة، تفرض القانون بعدالة، وتوزّع الثروة والسلطة بشكل منصف. وبهذا، يمكن منع عودة المشاريع الصغيرة التي لا تنتمي لعصر الدولة الحديثة.
وحدها الدولة القوية العادلة هي الضامن لوحدة اليمن، ولسيادة أراضيه، ولنيل شعبه حقّه في التنمية والعيش بحرية وكرامة.
-->