عندما يُسمح للمجرم أن يفلت من العقاب، فإنه لا يتوقف عند حدود جريمته الأولى، بل يتمادى حتى تصبح العربدة نهجًا ثابتًا. وإسرائيل اليوم ليست سوى التجسيد الحيّ لهذه القاعدة، فهي لم تكتفِ باغتصاب فلسطين، ولا بتشريد شعبها، بل تمدّدت بجرائمها إلى كل بقعة تستطيع أن تصلها طائراتها وصواريخها.
منذ عقود، تتعامل إسرائيل مع المنطقة كحقل تجارب لعدوانها. في غزة، تُمارس التطهير الجماعي على مرأى العالم. في الضفة الغربية، تستبيح الأرض والإنسان. في لبنان، لا تزال آثار قنابلها شاهدة على حروبها العدوانية، وها هي اليوم تواصل قصفها لسوريا تحت ذرائع واهية. أما أحدث فصول هذا الاستهتار بالعقول والحقائق، فهو ادعاؤها الوقح بأنها تحمي الأقلية الدرزية في سوريا!
إسرائيل والورقة الطائفية: نفاق قديم بحلة جديدة
لم يكن استغلال إسرائيل للأقليات وليد اللحظة، بل هو سياسة قديمة اعتمدها الكيان منذ نشأته. ففي فلسطين المحتلة، حاولت فرض "التجنيد الإجباري" على أبناء الطائفة الدرزية، لكنها لم تجد منهم إلا المقاومة والرفض، رغم كل أساليب الترغيب والترهيب. في لبنان، سعت إلى تقسيم الطوائف وإذكاء الفتن، فلم تحصد إلا مزيدًا من العداء. واليوم، في سوريا، تريد أن تلعب الورقة ذاتها، متناسية أن أبناء الجولان المحتل من الدروز يقفون في وجهها منذ أكثر من نصف قرن، ويرفضون حتى حمل جنسيتها.
إسرائيل، التي تقتل الدروز في فلسطين، وتهدم بيوتهم، وتفرض عليهم سياسات التمييز، تتباكى الآن على دروز سوريا! لكن من يقرأ التاريخ جيدًا يدرك أن هذه ليست سوى حيلة قديمة، هدفها تفتيت الدول، وشرعنة التدخل، وإيجاد موطئ قدم جديد للهيمنة.
من أمن العقوبة أساء الأدب
ما كان لإسرائيل أن تصل إلى هذا الحد من العربدة، لولا الصمت الدولي والتواطؤ الغربي والمواقف العربية المتخاذلة. الدعم غير المشروط الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وأوروبا، وتطبيع بعض الدول العربية معها، جعلها تتصرف ككيان فوق القانون، يضرب حيث يشاء، ويدمر متى شاء، دون أن يخشى أي محاسبة.
لكن من يراهن على بقاء الاحتلال، ومن يظن أن الشعوب تنسى، فهو يجهل دروس التاريخ. فكما سقط الاستعمار في الجزائر، وكما انهار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، سيأتي اليوم الذي تسقط فيه إسرائيل تحت ضربات المقاومة، وإرادة الشعوب، وسنن التاريخ التي لا تحابي أحدًا.
إن الاستعمار، مهما طال، زائل، والمقاومة، مهما حوربت، باقية. والتاريخ، وإن تأخر في محاكمته، لا يرحم الطغاة أبدًا.
-->