هل دقّت ساعة الخلاص في اليمن؟

عبدالباري علاو
الاثنين ، ١٧ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ٠٧:٠٧ مساءً

 

قراءة في التحركات الأمريكية والتوظيف الاستراتيجي للحوثيين

اليمن، البلد الذي أنهكته الحروب والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، لا يزال يشهد تحولات متسارعة تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية. وبينما تتصاعد التحركات الأمريكية في المشهد اليمني، يبدو واضحًا أن هذه التحركات لا تهدف إلى إنهاء الصراع أو تحقيق الاستقرار، بقدر ما تسعى إلى إعادة ضبط الأوضاع وفق مصالحها الاستراتيجية، بما يخدم مشروعها الأوسع لإعادة رسم خارطة المنطقة.

في هذا السياق، يصبح الحوثيون أداة رئيسية ضمن رقعة الفوضى الخلّاقة، يتم توظيفهم حينًا للضغط على أطراف إقليمية، وحينًا آخر لتغذية صراعات جديدة، في إطار استراتيجية أمريكية لا تضع مصالح اليمنيين في الحسبان. فهل باتت هذه التحركات مؤشرًا على أن ساعة الخلاص قد اقتربت، أم أنها مجرد إعادة تموضع للقوى المتصارعة ضمن لعبة أكبر؟

على الرغم من تصعيد الخطاب الأمريكي تجاه الحوثيين في الآونة الأخيرة، إلا أن المتأمل في طبيعة هذه التحركات سيجد أنها لا تستهدف القضاء عليهم، بل تسعى فقط إلى إعادة توجيههم وضبط مسارهم. فالحوثيون، ومنذ صعودهم كقوة فاعلة في اليمن، كانوا جزءًا من الفوضى المدروسة التي سمحت للولايات المتحدة بتعزيز نفوذها وإعادة تشكيل خارطة التحالفات في المنطقة.

اليوم، بعد أن حاول الحوثيون استثمار القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتهم وكسب المزيد من النفوذ، جاء الرد الأمريكي عبر تكثيف الضغوط العسكرية والدبلوماسية، ليس لإضعافهم بشكل حقيقي، بل لإعادتهم إلى الدور الذي رُسم لهم مسبقًا. فالأمريكيون يدركون جيدًا أن الحوثيين، رغم خروجهم عن بعض الخطوط المرسومة، لا يزالون أحد أهم الأدوات القابلة للتوظيف في الصراع الإقليمي، تمامًا كما كان الحال مع حزب الله في لبنان.

لا يمكن فهم طبيعة التعامل الأمريكي مع الحوثيين دون التطرق إلى المشروع الأوسع الذي تعمل واشنطن على تحقيقه في المنطقة. فإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وفق معايير إثنية وطائفية باتت جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الأمريكية، التي تقوم على تفتيت الدول الكبرى إلى كيانات أصغر يسهل التحكم بها.

في هذا السياق، يتماشى مشروع الحوثيين القائم على "الحق الإلهي للحكم" مع الأجندة الأمريكية، التي لا تمانع في دعم مشاريع انفصالية أو طائفية، طالما أنها تسهم في تفكيك الدول وتحويلها إلى كيانات متناحرة. وهنا يأتي الحديث عن المشروع الهاشمي، الذي يسعى إلى إعادة لفيف الهاشميين إلى "أرض الميعاد" في مكة وأرض الحجاز، كجزء من إعادة تشكيل المنطقة على أسس مذهبية وعرقية جديدة.

إن أي تحليل للواقع اليمني لا يمكن أن يتجاهل الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية، سواء تلك المناوئة للحوثيين أو الداعمة لهم. فبينما يتم تصوير التحركات الأمريكية على أنها تأتي استجابة لطلبات الحلفاء الإقليميين، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا.

فأمريكا، التي تُظهر دعمًا للتحالف المناهض للحوثيين، لا تزال في الوقت ذاته تستخدم هذا الدعم كوسيلة للضغط، دون أن تسمح لهذا التحالف بالحسم العسكري. فالمعادلة التي تعمل وفقها واشنطن تقوم على إبقاء التوازن بين الأطراف المتصارعة، بحيث لا يخرج أي طرف منتصرًا بشكل حاسم.

لا يمكن فصل السياسة الأمريكية في اليمن عن معركتها الأكبر على المستوى العالمي، والتي تتركز حاليًا على مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد. فبينما تنشغل الولايات المتحدة بإدارة الصراعات في الشرق الأوسط، فإن الهدف الأساسي هو ضمان عدم خروج أي قوة إقليمية عن نطاق السيطرة، بحيث تبقى هذه المنطقة مشتعلة، لكن ضمن حدود يمكن التحكم بها.

ومن هذا المنطلق، فإن ما نشهده اليوم في اليمن ليس إلا فصلاً جديدًا من فصول إعادة توزيع الأدوار، حيث يتم ضبط إيقاع الفوضى بما يتناسب مع المصالح الأمريكية. وبذلك، يصبح الحديث عن الخلاص مجرد وهم، طالما أن القوى الفاعلة في المشهد لا تزال رهينة للإرادة الخارجية.

ويبقى السؤال: هل من سبيل للخلاص في اليمن؟

إن أي قوة يمنية تسعى إلى تحقيق الخلاص الحقيقي لا يمكنها أن تعتمد على الترتيبات الأمريكية، التي أثبتت مرارًا أنها لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها على حساب استقرار المنطقة. وإذا أرادت القوى المناوئة للحوثيين أن تضع حدًا لهذه الفوضى، فعليها أن تبحث عن حلول بديلة، بعيدًا عن التحالفات التي لا تقدم إلا وعودًا زائفة.

فالرهان على الدعم الأمريكي لم يحقق أي نتائج حقيقية على مدى السنوات الماضية، بل أدى فقط إلى إطالة أمد الصراع وتمكين الحوثيين من ترسيخ وجودهم. وعليه، فإن الخلاص لن يأتي إلا من الداخل، عبر بناء استراتيجية وطنية مستقلة، قادرة على كسر حلقة التوظيف الدولي، وإعادة رسم المشهد بما يخدم مصالح اليمنيين أولًا وأخيرًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي