هل يسعى اليمين المسيحي في أمريكا لدفع إسرائيل نحو الهاوية؟
الكثير من الباحثين والمتخصصين يرون أن الدعم الأمريكي اللا محدود لإسرائيل ليس مجرد سياسة خارجية، بل هو جزء من عقيدة مترسخة لدى تيار اليمين المسيحي المتطرف، الذي يرى في قيام إسرائيل واستمرارها مقدمةً لمعركة هرمجدون التي ستعجل بعودة المسيح. غير أن هذا الدعم ليس بلا ثمن، بل قد يكون فخًا محكمًا، إذ يسعى هؤلاء لإقحام إسرائيل في صراع وجودي، لا لتمكينها، بل لدفعها نحو سيناريو النهاية الذي يتخيلونه.
تنبع هذه الرؤية من قراءة حرفية لنبوءات العهد القديم والعهد الجديد، حيث يعتقد الإنجيليون أن تجميع اليهود في أرض فلسطين ضرورة حتمية تمهيدًا للمعركة الكبرى، التي سينتصر فيها "الخير" على "الشر"، ليعود المسيح ويقيم مملكته. من هذا المنطلق، لا يكون دعم إسرائيل بدافع الحرص عليها بقدر ما هو تسريع لنهايتها المحتومة، وفق التصور اللاهوتي للإنجيليين.
يشير تقرير لموقع "الجزيرة الوثائقية" إلى أن "تحالف المسيحيين الإنجيليين مع اليمين السياسي الأمريكي المتطرف يشكل جبهة جماهيرية واسعة، تؤثر في الانتخابات الرئاسية، وتعزز التوجهات السياسية المعادية للديمقراطية. ولبسط نفوذها، يعمل قادتها على الترويج لخطاب ديني يؤمنون به، ومفاده أن 'حرب نهاية العالم' قادمة لا محالة، وأن تاريخ البشرية ستكتب نهايته في معركة 'هرمجدون' المنتظرة، وأنها ستتوج بعودة السيد المسيح إلى الأرض، ليحكم الأحياء والأموات فيها."
وفي هذا السياق أيصا، أشار تقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية إلى أن "قبل 40 عامًا، كانت أفكار نهاية العالم ومعركة هرمجدون العظيمة تسيطر على عقول وقلوب عدد كبير من داعمي وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة الإنجيليين". وأضاف التقرير أن "عددًا كبيرًا في اليمين المسيحي يعد قيام إسرائيل مفتاحًا لتحقق النبوءة".
لكن ومن ناحية اخرى، يشير القس أكرام لمعي، الناطق الرسمي باسم الكنيسة الإنجيلية في مصر، إلى أن "دعم اليمين المسيحي الأمريكي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وسياساته المتطرفة، هو مشهد إعلامي بامتياز، يعبر عن موقف أقلية سياسية عالية الصوت، ولا يعبر عن موقف الإنجيليين المسيحيين، لا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا في العالم."
بينما أوضح استطلاع أجرته مؤسسة LifeWay، إلى أن أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع قد أشاروا إلى أن نبوءة نهاية الزمن هي السبب الرئيسي لدعمهم لإسرائيل. وهذا الدعم لا يتوقف عند حدود السياسة، بل يتغلغل في العقيدة الإنجيليّة التي ترى أن إسرائيل يجب أن تتوسع، ثم تدخل في حرب مدمرة، حتى تُستكمل النبوءة، وفي النهاية... تنتهي.
ويظل السؤال إلى أي مدى نجح اليمين المسيحي الأمريكي في ترجمة هذه الرؤية على أرض الواقع؟
خلال رئاسة دونالد ترامب الاولى والثانية، ظهر هذا التوجه بوضوح، حيث قدمت إدارته دعمًا غير مسبوق لإسرائيل، بدءًا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصولًا إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل والضفة الغربية وصولا إلى تصريحاته بطرد الفلسطينيين من غزة، لكن هل كان ذلك بدافع الحب الخالص لإسرائيل، أم أنه جزء من لعبة أكبر؟
المفارقة الكبرى هي أن هذا الدعم اللا محدود، الذي يبدو في ظاهره خدمة لإسرائيل، يحمل في طياته دعوة خفية نحو صدام كارثي. فاليمين المسيحي لا يسعى للحفاظ على إسرائيل، بل يدفعها دفعًا نحو مواجهة مصيرية، يُراد لها أن تكون الفصل الأخير في القصة.
ويبقى السؤال: هل هو دعم أم توريط؟
يُلاحظ أن هناك علاقة وطيدة بين اليمين الأمريكي المتصهين واليمين الصهيوني في إسرائيل، لكن هذه العلاقة قد لا تكون متكافئة كما يظن البعض. فبينما يرى الإسرائيليون في هذا الدعم وسيلة لتعزيز قوتهم، يرى اليمين المسيحي فيه وسيلة لتعجيل النهاية، حيث تصبح إسرائيل وقودًا في محرقة النبوءة.
هذه الرؤية اللاهوتية ليست مجرد أفكار معزولة، بل تنعكس على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فمن خلال دعم غير مشروط لإسرائيل، وتصعيد التوترات، والسعي لطمس حقوق الفلسطينيين، يتم خلق بيئة مواتية لانفجار كبير. لكن السؤال الأهم: هل تدرك إسرائيل أن حلفاءها يدفعونها إلى فخ قد لا تخرج منه؟
عودة على بدء، عند النظر بعمق في الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل، يتضح أنه ليس مجرد انحياز سياسي، بل هو جزء من عقيدة دينية ترى في إسرائيل وسيلة لتحقيق نبوءة لا تنتهي لصالحها. فبينما يظن بعض القادة الإسرائيليين أنهم يستغلون دعم اليمين المسيحي لتعزيز نفوذهم، قد يكونون في الواقع بيادق في مخطط أكبر، حيث الهدف الحقيقي ليس بقاء إسرائيل، بل دفعها نحو معركة حاسمة، يعتقد مؤيدوها أنها ستعجل بعودة المسيح، حتى لو كان ذلك على حساب وجود إسرائيل ذاتها.
السؤال الذي يبقى معلقًا: هل تدرك إسرائيل أن "الحب القاتل" الذي تتلقاه من حلفائها قد يكون مقدمة لنهايتها؟
-->