ستختفي كل المسرحيات وتحترق الشعارات، وتصل لعبة "البيضة والحجر" إلى نهايتها. وسينبطحون كعادتهم، مختبئين كالفئران في جحورهم. سيظهرون بعدها بخطاب مألوف: "نحن منكم ولسنا غرباء، عشنا معًا قرونًا، واقتسمنا الموائد واتكأنا على الأرائك ذاتها". وسيتجاهلون الحقائق، محاولين تبرير فشلهم عبر لوم الظروف والمخاطر التي صنعوها بأنفسهم، بسبب جهلهم وجنونهم بالسلطة. وستبدأ النداءات للصلح عبر وسطاء مقنّعين بين صفوف القوى الأخرى والمقاومين الحقيقيين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيقبل اليمنيون هذه المسرحية المكررة؟ هل ستنطلي عليهم الأكاذيب للمرة الألف؟ أم أن الذاكرة اليمنية ستظل مفتوحة للدروس القاسية من الماضي دون اتعاض؟ هل سيضيع الناس وسط مشاعر محبة للسلام ودوامات الاحتياجات الإنسانية التي صنعتها الحركة الحوثية عمدًا لإخضاع الناس وسلب إراداتهم؟
لا يمكننا أن ننسى القصة التي رواها القيل همدان العليي، حين تحدث عن حملة السلام الوهمية التي قادها حسين الأحمر، مدعيًا مظلومية صعدة وداعيًا إلى وقف ما أسماه "الحرب العبثية" على العصابة هناك. تجمع حوله البعض من الموهومين، ليكتشفوا لاحقًا أنهم كانوا أدوات بيد الأفاعي السلالية التي أحرقتهم بسمومها بعد احتلال العاصمة. فهل سيُنتَهر حاملو القضية الوطنية اليوم كما حدث للقيل همدان العليي وأمثاله، حين اتهمهم البعض بأنهم دعاة حرب وفوضى؟
ولا تزال استغاثات عبدالملك الحوثي قبل اندلاع عاصفة 2011م تتردد في الآذان، حين توسّل إلى القيل عبدالعزيز جباري للتوسط عند الرئاسة لإيقاف الحرب، التي كانوا يسمونها عدوانًا ضدهم. هل ستُساق الأمور مرة أخرى نحو خرائط إنقاذ أممية، كتلك التي أُبدعت لقضية فلسطين منذ سبعين عامًا ولم ترَ النور حتى الآن؟
لكن الجواب واضح: اليمنيون لن يعتمدوا سوى الخرائط الوطنية التي يرسمها المقاتلون الأحرار، أصحاب القضايا الحقيقية وحاملو هموم الشعب وحقوقه القانونية. أما غير ذلك فهو مجرد لهو وإلهاء، وتمديد للحرب وترحيل أزماتها إلى المستقبل لتتجدد مع كل مرحلة من مراحل تعافي القوى المهووسة بطغيان السلطة..
في ظل تطورات الأحداث في سوريا، لا يُستبعد أن تنحني ميليشيات الحوثي لأي قوة تضمن استمرارها في إرهاب الشعب اليمني وتدمير حاضره ومستقبله من خلال سحق بُناه الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية عمدًا، وفتح أبواب اليمن للنفوذ الإيراني وعصابات شذاذ الأفاق القادمة من لبنان والعراق، وحتى بقايا نظام الأسد.
عندما يضيق الخناق عليها، تستبدل قفازاتها القذرة بأخرى ناعمة، وتسلخ وجهها القبيح لتبدو أمام الدول القريبة والبعيدة بوجه أجَدْ. تقدم نفسها "للأصدقاء بصور الأعداء"، مدعية أنها الشريك الحصري في محاربة الإرهاب. تسوّق الأكاذيب عن وجود عناصر متشددة داخل الجيش اليمني، وتجند وكلاء إيران وبعض الشخصيات النافذة في المنظمات الدولية وأروقة صنع القرار.
لكن الحقيقة تظل ثابتة: فائض قوة الحسم وإرادة اقتلاع جذور هذه الميليشيات الإيرانية الإرهابية بيد الشعب اليمني وحده. لن تؤثر الضغوط الخارجية ولا الحسابات الانتهازية لبعض الدول على عزيمة اليمنيين، الذين يتطلعون إلى استعادة حريتهم واستقلالهم وحقهم في العيش الكريم.
وسيأتي اليوم الذي يغني فيه الشعب اليمني قصيدة البردوني التي كتبها صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر:
أفقنا على فجر يوم صبي... فيا ضحوات المنى إطربي
أتدرين يا شمس ماذا جرى؟.. سلبنا الدجى فجرنا المختبي!
وشعباً يدوي: هي المعجزات... مهودي، وسيف (المثنى) أبي
فولّى زمان كعرض البغي... وأشرق عهد كقلب النبّي
-->