"دفنونا احياء".. تفاصيل اعتقالي في معتقل الأمن والمخابرات

لؤي العزعزي
الاربعاء ، ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٦ مساءً

 

 

كنت اسمع الأخبار عن اقترابهم من العاصمة. حشود منهم تطوق صنعاء حجة اسقاط الجرعة. نصب خيم على طول طوق صنعاء، وتمترس مسلحين مؤدلجين في كل المداخل والمخارج. كنت يومها اتسائل ايعقل الا يوجد من عاقل يفهم مالذي يحدث؟! كانوا يقتربون قليلا قليلا ويحاصرون العاصمة بمرئى ومسمع الجميع دون أن يحرك احد من ساكن!

لم نسمع وقتها عن ملحمة بطولة الشدادي في عمران وخيانته ومن معه من اجهزة الدولة وقتها. لم تكن سوى أيام حتى رأيناهم بأطقمهم العسكري يسرحون ويمرحون في شوارع امانة العاصمة صنعاء. بأثوابهم المتسخة وعقولهم الفائضه بالحقد والكراهية والمناطقية والمذهبية.. صغارا وكبار.

رأيناهم يتغلغلون في مقرات الدولة ومؤسساتها. يعزلون فلان ويعينو فلان هكذا دون أن يتخذ ضدهم من شيء. على صالح الرئيس الأسبق يومها كان يفكر في الانتقام لا شيء سوى ذلك. أن يضرب الحوثيين بالاخوان بعد أن انقلبوا عليه وانضموا للثورة الشبابية التي اطاحت به.  فسهل لهم الدخول، ومن ثم تهاون واساء تقدير حجم خطرهم، ورغبتهم في الإنتقام منه.

 

لم يمضي من الوقت كثير حتى تمكنوا من اجهزة الدولة السيادية. وبعد حملة من الأفعال الإستفزازي ضد علي صالح ومرافقيه واتباعه اندلعت احداث 2ديسمبر لتكون فرصة سانحة للإنتقام. كان على صالح مصاب بجنون العظمة. اعتقد أنه يستطيع محو انهار من الدماء بخطاب تلفازي. غير أن العكس هو ما حدث. كان يعتقد بأن التخلص منهم بسهولة تسهيل دخولهم وتغلغلهم للمحافظات ومؤسسات الدولة ..تم تصفيته لتخلو الساحة من التعددية -الظاهرة-ويختلي الحوثي في الحكم وخنق الشعب وحلبه.

 

تحولت اليمن الواقعه تحت الأسر الحوثي إلى سجن كبير. وتحول الكثير من العاطلين إلى مخبرين لهم. والمجرمين تم اخراجهم ليصبحوا مشرفين يدوسوا على اعناق المواطنين.

 

كنت وقتها في بداياتي الصحفية وفي اولى نشاطاتي الحقوقية. لم استطع كبح جماح قلمي الذي بدأ يوثق كل شيء. أكتب عما أراه والمسه مما يحدث. فبدأت اعين مخبري الحارة في الاتساع علي. وبدأت شرطة باب اليمن والبليلي في طلب تقارير يومية عما اكتبه وعن الأمكنه التي أذهب اليها.. من عيونها ومخبيرها

 

لن اطيل في السرد هنا فقط مقدمة كان لابد من استعراضها لفهم من وقعت في ايديهم عارٍ من كل شيء.

 

اعتقلت في أكثر من مرة. مرة بسبب تضامني مع أحد اصدقائي الذي تم خطفه من قبل بدو بني ضبيان ولم تعر السلطات الأمر أي اهتمام وزج بي في حجز محافظة صنعاء التي حاولنا -بتنسيق عاقل الحارة مع السلطات- تنظيم وقفة احتجاجية سليمة للضغط على الأجهزة الأمنية في الإسراع في اتخاذ قرارت لإعادة المختطف إلى أهله وذويه الخائفين عليه غير أن بدء توثيقي للوقفة حول الأمر إلى اختراق امني وخصوصا بعد وصول مدير امن المحافظة في الوقت الذي اشتبكنا فيه مع المسلحين بعد أن تعرضت للضرب لتصويري الوقفة الاحتجاجية. اطلقوا علينا النار الحي بقصد القتل لا فض التجمهر. مما ادى إلى فوضى عارمة. اطلقوا النيران على السيارات التي كانت عليها اطفال من حينا، على اقدام واكتاف الشباب.. في هذا الوقت وصل طقم مدير الأمن. فتم الإمساك بي كمتهم بتهمة جنائية كبير بالقوة وبالضرب بأعقاب البنادق اقتادوني إلى المعتقل.

 

بعدها اتهموننا بأننا حاولنا اغتيال مدير الأمن! وبأننا نخدم العدوان ونساهم في تهييج الرأي العام وغيرها من التهم.

لم يفرج عني إلا بعد اسابعين بحكم قبلي "محدش المحدش" بعد تدخل مشائخ من خولان عن غرمائنا خاطفي صديقنا وعن طرفنا شيخ بيضاني

وبقيت الأعين مفتوحه علي.

 

بعدها كان يتم التضييق علي. تم تعقيد كل الاجرائات التي كنت احتاجها. تنقلت بين المحافظات هربت من تسلطهم وعنجيتهم غير آني لم أجد من مكان افضل. في مأرب ما أن دخلت إلى المجمع بعد شهر قضيته في محطة بن معيلي إلا وتم الزج بي في معتقل المنطقة الأولى. 

فقط لأنني جديد العهد بمأرب ولأنني اتيت من صنعاء. تم تعذيبي صعقا بالكهرباء. زنزانه ضيقة ومساجين كثر. لا شمس ولا ضوء ولا مكيفات. مروحة واحدة طوال الوقت. في النهار لا تلطف الحر الخانق. وفي الليل تضاعف برودة الأجواء.

عصب على العينين وحرب نفسية واستجواب قاسي.. ومن ثم ضرب في العين اليسرى حتى كادت أن تفقء

حتى الآن اعاني من تلك الضربه ولا حل لها حتى الآن.

 

بعد الشهر وقد كادت عيني أن تفقء تم الافراج عني بعتذار. وبانه لم يكن علي من شيء وما هي سوى اجرائات روتينيه!

 

خرجت ووثقت قضيتي لدى منظمات المجتمع المدني والتي لم تفعل من شيء سوى الكتابة على اوراق لم ترى النور. ولان اسعافي كان إلى المستشفى العسكري لم استطيع إخراج أي وثيقة وبالتالي لا اثبات لما حدث لي.

 

غادرت إلى عدن. تنقلت كثيرا إلا أني ولأسباب كثيرة ليس هناك من مجال لسردها.. اضطررت إلى العودة إلى صنعاء التي منذ نعومة اظفاري وأنا بها. وفيها اهلي واصدقائي.. عدت اليها بعد التنسيق مع لجنة العفو العام. وما أن وصلت حتى اعتبروني عائد -جندي مع الشرعية عائد إلى مناطق سيطرت الحوثيين- وتم اجباري على ملئ استمارة كبيرة الحجم فيها اسأله استخباراتية بحته:

عن الفصائل واللوائات العسكرية والتشكيلات والقيادة والتعبئة العامة وثكنات الجنود والتكتيكات الحربية.. اسأله اجوبتها لم تكن معي لأننا لست جندي مع احد 

ملئت بياناتي العادية وتعهدت بالاكراه إلا اخرج من مناطق سيطرتهم إلا بعد التنسيق معهم ومن ثم نسقوا مع قناة اللحظة لتصور معي حلقة تلفازية. ليتم طرح علي اسألة أقل ما يقال عنها: ملغمة!

 

مضطر ولا بديل افضل. ايام ومن ثم تحولت لاشهر.. ولم اتمكن بعدها من التوقف عن الكتابة خصوصا عن قضية انتصار الحمادي التي اوصلتني قضيتها إلى معتقل الأمن والمخابرات قسم مكافحة الإرهاب!

 

اعددت حقائبي وسافرت دون مقدمات. كطائر كان بحاجة إلى التحليق بحرية بعد أن حبس في قفص لفترة طويلة.

سافرت إلى مأرب وتابعت عدة قضايا وكادت سلطة مأرب القمعية اعتقالي مرة أخرى فقط لكوني لست منهم ولأنني علماني ملحد كما حرض علي أحد قياداتهم الدينية!

منها إلى عدن التي تم النصب علي وقد كنت على وشك السفر تهريبا إلى اثيوبيا مما عشته وعانيته وفقداني للأمل..

غير آني تعرضت لعملية نصب كبيرة تم سرقت كل ما اكمل حينها. وعندما اشتكيت للأمن لم يفعلوا من شيء فقط طلبوا أموال للقيام بواجبهم المفترض.. وبعد أن كررت مطالبتي بعتقال العصابة تم الزج بي في السجن بتهمة: تغيير الأقوال وبأني من التربة وبالتالي اتبع المدعو أمجد حافظ الذي لم اعرفه إلا منهم

وتم الزج بي في السجن اسبوع كامل ولم يفرج عني إلا بعد التنازل عن المطالبة بحقي ودفع غرامة اثقلت كاهلي وأنا من تعرضت لعملية نصب. بعدها انتقلت إلى المكلا وهناك لم اتأقلم ولم أجد من شيء يبقيني فيها عدت إلى صنعاء دون التفكير في العواقب وقد اتعبني ما تعرضت له طوال الرحلة. 

 

فور عودتي مخبري الحوثيين ابلغوا عني. وماهي إلا أيام حتى اقتحمت القوات الأمنية منزلي دون اوامر قضائية أو مذكرة قبض أو تفتيش أو اذن نيابة! فقط اقتحموا المنزل وارعبوا الأطفال والنساء واقتادوني إلى سجن شرطة باب اليمن. وهناك بدأ الأمر لماذا لم استأذنهم قبل السفر!

وبعد ثلاثة أيام تم احالتي إلى سجن البحث الجنائي وهناك قضيت شهر كامل مخفي وممنوع من الزيارة وتم ارهابي وتخوفي بتهم لم افعلها.

 

تم تفتيش هاتفي ومسائلتي عن جميع الأرقام رقم رقم!

اذكر في احدى التحقيقات استعرض احدهم خبر سعيد بالنسبة لهم " قد مسكنا عمك قطران معه برميل خمر.. كنتم تطعموهن مه" 

ضحكات كثيرة ومن ثم قال أحدهم " عدباقي حاشد"

 

فيتوجه المسؤال عن استجوابي بطرح الأسئلة علي بعد رمي طعم غبي: " احمد سيف حاشد رجل وطني بغض النظر عن كل شيء بنحترمه ونقدره وله مواقف مشرفه من قبل ما يكون لنا معه اختلاف عنسد هو أول من رفض الحرب ضد سيدي حسين" وبعدها حاول الإيقاع بي" ما علاقتك به؟ ومتى واين كنتم تلتقوا؟ وماهي المواضيع التي كنتم تناقشوها.." كان جوابي واحدًا بأن من الشرف لي معرفة حاشد وقطران غير أن تلك الاوقات لم يجمعني بهم سوى الماسنجر والمواضيع عامه جدا

لم يعجبهم اجوبتي

 

وماهي إلا أيام واذ بي مقيد معصوب العينين مقتاد إلى سجن تحت الأرض. تم القائي إلى زنازنة ضيقة لا تتسع إلا لفرش واحد والحمام عند الرأس لا يستر عورة مستخدمه إلا جدر صغير تمنع الكاميرا من انتهاك الخصوصية المنهكه اساسا.

اضواء لا تنطفء مؤذية للعينين. طلاء الجدران تعمدوا أن يكون كذلك مؤذي جدا ويسيء من الحالة النفسية. البلاط باردة جدا ومياة باردة، بطانيات لا تدفء  ولا ماء للشرب الشرب من الحنفية. كنت أعمل صفاية مياة يدوية من علبتين كبيرتين. قطعت احداها من النصف وعملت عند فوهة العلبة منديل قمت بتدويره وضغطة لتصفية المياة بالتقطير

لم يكن يمضي يوم حتى يتحول المنديل إلى اللون الأصفر المذحل!

لا ترى نور الشمس ولا تسمع احد. فقط انت وحدك في مكان ضيق موحش منتهك خصوصيتك وحتى جالب الطاعم كان يخفي ملامحه. وكان يأتي بغته ويركل الباب الحديدي المدرع مما يفزعك من نومك أو من غفلتك مصعوق..

مابعد منتصف الليل ياتوك بغته ويقيدوا معصميك ويعصبوا عينيك ويقتادوك إلى مكان مجهول وانت تتخبط مشيا دون هدى.. يمشو بك طويلا ويمرو بك في تلافيف كثيره ومن ثم يدخلوك إلى قاعة كبيرة للإستجواب لا تعرف حينها من يسألك واين مكانه: في الأمام في الخلف 

في كل مرة يباغتك بسؤال وهو في مكان خلاف المكان السابق. اسألة  حمقاء جوفاء لا تنم سوى عن ضباط منعدمي الخبرة والكفائة.

 

يسائلونني عن كل شيء. عن اشياء خاصة وعن امور لا تعنيهم ولا علاقة لها بالأمن القومي أو حتى الأمن العام.. ولا مبرر ابدا لطرحها!

 

من اين تعرف فلان وماعلاقتك بفلانه وماعلاقتك بالمؤسسة كذا وبالقناة كذا وكم يُدفع لك في المؤسسة الفلانية والمادة الفلانية كم تقاضيت عنها.. اسألة تافهه ولا تعنيهم غير انها ملغمة. يوقعوا بك فقط بزلة لسان أو حسن ظنك أو حماقتك بهم.. بعد قرابة الاربعة اشهر وبعد ضغط من قبل منظمات المجتمع المدني تم احالة قضيتي إلى نيابة الصحافة والمطبوعات بعد أن عجزوا عن دفعي لعقد صفقة معهم وتم محاكمتي بتهم لا أساس لها: نشر اخبار كاذبة تجدر من السلم الأهلي العام!!

عن قضية انتصار الحمادي وفتاة المخاء التي لم تقع الجريمة الممارسة ضدها في مناطق سيطرتهم اساسًا!!

ولم يسمحوا لي بتوكيل محامٍ.. وحكموا علي بعد ادانتي بستة اشهر مع وقف النفاذ؛ كنوع للضغط والإرهاب.

 

وما أن افرج عني حتى فررت مرة أخرى واخيرة وتعهدت بعدم العودة إلا مع الفاتحين.

 

في الأيام الأخيرة رأيت وقرأت تقارير مكتوبة وأخرى مرئية.. عن محاولة تلطيف جرائم الحوثيين وعما يحدث خلف القضبان؛ الشيء الذي دفعني لتوثيق تجربتي على عجالة.

 

 

التواريخ والتوثيق الدقيق بالأرقام وثقه مركز الخليج لحقوق الإنسان

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي