علي صالح...بمقابل قٌبح العصابات العلوية..

د. محمد شداد
الأحد ، ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٤ مساءً

 

لطالما عُرف اليمنيون، حكامًا ومحكومين، بقيمهم النبيلة وإرثهم الحضاري العريق المستمد من ممالك سبأ وقحطان، والذي رسخ فيهم النخوة والكرامة والتمرد على الظلم، ما جعلهم يرفضون بشاعة الطغيان والانحطاط الأخلاقي، متمسكين بهويتهم ومكانتهم بين الأمم بإنسانيتهم وعدلهم.

 إلا أن هذا الإرث تعرض لتحديات أبرزها التأثير الدخيل الذي جاء مع يحيى بن الحسين الرسي، مؤسس الإمامة الزيدية، الذي أدخل نظامًا يقوم على السلالة والتمييز، وزرع بذور الحقد والغدر في النسيج اليمني، مخالفًا القيم الأصيلة القائمة على المساواة والعدل. 

ورغم ذلك، ظل اليمني يتسم بروح التمرد على الظلم، سواء كان واقعًا عليه أو صادراً منه، ويتسلح بقيمه الحضارية في مواجهة الطغيان، ويبقى وفيًا لكل معروف، حتى وإن كان في موضع السلطة، وهو ما شكل جوهر هويته التي بقيت عصية على الانحراف، باستثناء بعض الحالات الدخيلة التي لا تمثل أصالة هذا الشعب.

لقد أظهرت القنوات الإعلامية بشاعة نظام العصابة العلوية بقيادة حافظ الأسد، والذي تنكر لكل من وقف معه قبل اغتصابه السلطة وأعمل خناجره في أحشاء الشعب السوري. على النقيض، يظهر وفاء اليمنيين في تعاملهم مع من أحسن إليهم، حتى وإن تقلدوا السلطة.

 الشهيد علي عبدالله صالح كان نموذجًا بارزًا للوفاء في تاريخنا الحديث. برغم الحروب والصراعات، امتاز بالتسامح، حتى مع خصومه. تلك الفروسية اليمنية التي تظهر عند النصر تكشف عن عظمة الإنسان اليمني، حيث يغلب الصفح على الانتقام، ويعلو التسامح على الجراح.

 

قال ابن حزم الأندلسي: "إن من حميد الغرائز وكريم الشيم وفاضل الأخلاق الوفاء، وإنه لمن أقوى الدلائل وأوضح البراهين على الشرف الأصيل."

وكان علي عبدالله صالح خليطًا من السلوكيات المتزنة التي زينت مواقفه. خلال ثلاثة عقود من حكمه، بدءًا من الحروب مع الاشتراكيين وحتى الحروب ضد المشروع الحوثي الإيراني، أظهر تسامحًا كبيرًا. غير أن تسامحه مع أعداء الوطن كان في غير موضعه، إذ مثلوا خروجًا عن النسيج الاجتماعي اليمني، حاملين صفات الحقد والغدر التي لا تتوافق مع القيم اليمنية.

طُبع اليمني على الوفاء وبناء الثقة، فهو سليل الحضارات العريقة التي تقدس العطاء والنقاء والمروءة. هذه الفطرة السوية تجعله يسمو على الصغائر، فيرتقي بأفعاله، عكس بعض البشر الذين يفتقدون أدنى درجات الوفاء، فتعلو مرتبة الحيوان عليهم.

كان كثيرون يتمنون الصبر على بقية عهد الرئيس صالح، ليتيح الزمن عبورًا أكثر سلاسة للأجيال القادمة بعيدًا عن حمولات الماضي الأليم. لكن المشاريع الهدامة، كالمشروع السلالي الإمامي، حالت دون تحقيق هذا الحلم، بمخططاتها الخبيثة وأهدافها الكارثية التي تهدد الكيان اليمني.

ما كشفت عنه وسائل الإعلام العالمية من سجون ومسالخ بشرية في سوريا يذكّر اليمنيين بضرورة مراجعة حساباتهم أمام مشروع الحوثية، الذي يحمل بذور الشر ذاتها. إن الدعوات الحوثية للأسد لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري تعكس حجم الانحطاط والتوحش الذي يتبناه محور الشر.

 

في ظل هذه التحديات، تتجلى القيم اليمنية التي تمنع أي تهور ضد الشعب، حتى في أوقات الصراع. لم يكن علي عبدالله صالح وفريق حكمه، برغم كل أخطائهم، ليقدموا على تلك الممارسات الوحشية. فقد كانوا يحملون في قلوبهم حبًا للوطن وشرفًا يمنعهم من التورط في أعمال مدمرة.

إن المدينة الفاضلة حلمٌ في السماء، لا يتحقق على الأرض. في كل مجتمع إيجابيات وسلبيات، وفي كل نظام حكم نجاحات وزلات. حتى الأنظمة الغربية، التي بلغت قمة الحرية والديمقراطية، ترتكب أخطاءً فادحة بانتهاك حقوق الشعوب واستغلالها.

ختامًا، الوحدة اليمنية بجميع أطيافها وقواها ضرورة وطنية لتجاوز الماضي الأليم واستعادة الدولة والنظام الجمهوري. فالتلاحم الوطني هو السبيل الوحيد لرفع اليمن إلى مكانته التي يستحقها بين الأمم، والصعود به نحو مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي