يقلب الاستبداد لون الحقائق ويزرع في الأذهان صورته، حتى يعتقد الشعب أنه حالة مستعصية لابد من القبول بها دون معارضة، وذاك ما فعلته العصابة العلوية في سوريا قبل أن تتمكن من السلطة كانت طائفة منبوذه، ليس لها مكانه لدى المجتمع السوري، وما إن تمكنت غدرًا حتى أخرجت جناجر حقدها وخوازيق فكرها تمارس القتل والسجن دون حدود، إمعانًا في الانتقام، كرسته لكي تصبح جزء من ذاكرة المجتمع الذي انقسم بدوره إلى ثلاثة أثلاث..
ثُلث سلَّم بحكم العصابة نتيجةً لارتباطه وظيفيًا استفاد من طغيانها بحكم الوظيفة، وثُلث أذعن إيمانًا بضرورة وجودها كواقع فيه تغلَّب ولا طريق للخلاص منها، أما الثلث الأخير فقد ظل يدور ما بين سجونها الرهيبة والإقصاء المتعمد والعيش في بلدان المنافي..
تمكنت العصابة من خلال السيطرة على الأجهزة الأمنية والسياسية وعلى مقدرات البلد الاقتصادية، توزع هواميرها صنوف التجارة فيما بينهم، احتكر هذا تجارة الأخشاب، وذاك سيطر على استيراد الحديد، وثالث على تجارة الإسمنت، ورابع تحكم بصناعة واستيراد الأدوية بلغ الفساد حد أنشاء موانئ بحرية خاصة بهم، أنشبت أنيابها في جسد كل كائن يتحرك، وذاك لأنها ليست أسرة كما يُقال ولكنها عصابة تمثل نسبة في المجتمع السوري عصابة ممتده ولم تنتهِ القصة عند أسرة الأسد كما يرددها البعض..
انتهت العصابة إلى فرض معتقد بأن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مطيع، والمعارض لطغيانها مستحق الدم والعرض، أو قضاء ما تبقى من حياته في أقبية السجون الرهيبة، أدى ذلك إلى احتقتان المجتمع أنفجر بركانه مع هبة رياح الربيع العربي في العام 2011م ما هي إلا شهور حتى أخمِدَ ذلك البركان بالجيش الطائفي، وبالقوى الروسية والإيرانية القاهرة، تحرك جيش النعجة الحاقد، إضافة إلى ضباع روسيا الذين أعملوا صواريخهم وقنابلهم العنقودية التدميرية لهدم المدن على رؤوس الشعب الأعزل، تزامن ذلك مع تنادى ذئاب الفرس من إيران جيش بلغ تعداده 65 الف جندي مع قياداته أشرف بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن على سجن وتعذيب وقتل آلاف السوريين، وتدفق الحشد الشيعي العراقي وشيعة شوارع الحوثي وعقارب حزب الشيطان اللبناني ومن التحق بهم من الأفغان وباكستان اتشروا بطول سوريا وعرضها..
هرب القيادي الحوثي عبدالملك المرتضي والمكنى "بأبو طالب" والذي كان متواجدًا يتنقل بين سوريا والعراق يدير ميلشياته شيعة الشوارع، وانسحب مؤخرًا بمن معه إلى العراق بعد إسنادهم لنظام بشار الأسد فروا بعد وصول قوات المعارضة تخوم دمشق..
أحال النظام سوريا إلى بحر متلاطم من القوات المنضبطة، والميليشيات واللصوص وقطاع الطرق، رفض كل وساطات التسوية السياسية واتكأ على أريكته وضن أنه ناجٍ من االسقوط..فرضت المعارضة السورية سيطرتها على أجزاء من الشمال أدارتها باحترافية وظلت تُعِد العدة، تجنيدًا تدريبًا تصنيعًا تتحين الفرصة ومجيئ القدر.. تحولت الضروف غرقت روسيا في أوكرانيا خلعت الضربات الإسرائيلية أنياب حزب الشيطان وضروسة، نفخت أمريكا في أذان ملالي إيران أن توقفوا لقد تماديتم واجتزتم ما رُسم لكم في المنطقة أيها الأوغاد بلعوا ألسنتهم ألقوا باللائمة على الهارب..
أجرت حكومة بشار بحسب ما أكده دبلوماسيون سوريون اتصالات مع الخارجية الروسية بشكل مباشر بعد هجوم فصائل المعارضة، لمعرفة مدى استعدادهم للدعم مرة ثانية، ردهم كان شتويًا بعث القنوط لدى بشار، شكل ذلك اليأس حالة ارتباك ميدانية لدى التشكيلات العسكرية التابعة للنظام نتيجة لفقدان الغطاء الجوي الروسي..
اكتملت الأسباب الجوسياسية المادية والموضوعية لانطلاق المعارضة، اندلعت المواجهات الشرسة بين الطرفين بعد السيطرة على إدلب اتجهت إلى محافظة حماة، تحديدًا إلى بوابة المدينة التي تحيط بها ثكنة جبل زين العابدين ومطار حماة العسكري وقيادة الفرقة 25 بقيادة العميد سهيل الحسن... ورغم القتال الشرس، استغرقت سيطرة فصائل المعارضة على مدينة حماة قرابة 72 ساعة فقط، بدا الجيش أمامها منهار أحسوا بأن هناك فوارق تكتيكية وبشرية واضحة بين فصائل المعارضة وقوات الجيش، أدت هذه الفوارق إلى تفوّق ميداني واضح للمعارضة..
ووفقا لبعض المصادر، أنه استطاعت إدارة العمليات المشتركة رشوة بعض قادة الوحدات المنتشرة في محيط مدينة حلب، الأمر الذي سهّل عملية توغل بعض خلاياها، حتى وصلت إلى غرفة العمليات التي يشرف عليها ضباع الثوري الإيراني في القنصلية الإيرانية داخل مدينة حلب، نتج عن ذلك مقتل الجنرال الإيراني "كيومرث بور هامشي" الذي يوصف بأنه قائد مستشاري الحرس الثوري العاملين شمال غرب سوريا..
يئس الجيش السوري من وضعه الاقتصادي فقره كُره الشعب له، هدَّ معنوياته فعل النظام بعد إفقاره، أحسَّ بالضنك والضعف بالهوان وضيق الحال..شعر بعدم الأمان من تسلط الأجهزة الاستخباراتية التي تقتله من الخلف إذا تراجع وتلقيه في السجون إذا تذمر، استُنفِرَ للحرب بعد سنينًا طوال من حالة الاضطراب دون استقرار، تغيرت عقيدته العسكرية بعد تدخل القوى الكبرى لدعم العصابة الفاسدة، حتى تبقى وببقائها تتمكن روسيا وإيران من نهب الثروات وفرض القوة والهيمنة والنفوذ على الشعب، انهار أمام زحف الثوار تساقطت المدن ومن ثم العاصمة دمشق بطريقة دراماتيكية أذهلت كل المراقبين الإقليميين والدوليين..
نصيحة للأشقاء الثوار المنتصرين: يجب تجاوز النزاعات الطائفية التي ما انفكت تفت في عضد المجتمعات، فُرقة دائمة تناحر وشتات، وإذا كان كل جيل سيستحضر ما كان من أحقاد طائفية سابقة ودورات العنف المتراكة على إثره..لن ننتهي بل ستسمر دوامة العنف والانتقام جيلاً بعد جيل، المنهزم اليوم سينتصر غدًا وينتقم بدوره لآبائه أقاربه وأجداده من الطرف الآخر ثم يأتي الدور على آخر وعليه لن نتنتهي الصراعات ولن نستقر..
-->