على هاوية ضمير.!

فائد دحان
الخميس ، ٢٤ اكتوبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٤ مساءً

 

نُساق أحيانًا لاتخاذ قرارات تتجاوز كل الخيارات المتاحة لدينا، ليس سعياً وراء المكاسب، بل حفاظًا على من نحبهم ونرغب لهم الحياة.

 في عالم أصبح فيه الإخلاص لوظيفتك أو انتمائك خطرًا يحدق بمن تحب، نجد أنفسنا مضطرين للابتعاد عن الأحبة، ليس زهدًا فيهم بل حرصًا على مشاعرهم من التبلد وعلى أرواحهم من الهلاك.

أن تكون صحفيًا أو سياسيًا أو ناشطًا في سبيل السلام، يعني أن تكون في بؤرة العاصفة، تُهدد يوميًا بفقدان روحك أو التضحية بمن حولك.

 في زمنٍ التبست فيه القيم، أصبح السير على درب الضمير محفوفًا بالمخاطر، ليس عليك وحدك، بل على كل من يربطك بهم حب أو ود، وكما قال فيكتور هوغو: "الضمير هو الله حاضرًا في الإنسان"، ولكن كيف للإنسان أن يحيا بضمير هادئ في عالم يعاقبه على فضائله؟

ندفع ثمن البراءة في قسوة الحياة، وثمن السلام وسط ضجيج المعارك، فليس هناك من خيار سوى تضييق دائرة محبتنا لتشمل فقط من يقدرون على مواجهة الظلام بجانبنا، وعندما نختار العزلة، ليس ذلك فرارًا من النضال بل محاولة لحماية الأرواح التي تتردد في البكاء خوفًا علينا.

الواقع أضيق من أن يحتمل سعيًا نحو السلام دون أن يُكبل ذلك بسلاسل الخوف، تحاصرنا دموع الأحبة وأهاتهم، وفي ذات الوقت تدفعنا أشباح الأمل إلى محاولة الحياة، إذ يقول ألبير كامو: "الحياة هي مجموع ما أنفقناه من جهود للتغلب على اليأس"، ولكن أي جهد يكفي للنجاة في مجتمع يقيد كل بارقة أمل، ويقودنا نحو المجهول ثانية بعد ثانية؟

الضمير، وإن كان مصدر قوتنا، فقد أصبح عبئًا ثقيلًا نتجرعه، لأنه كلما أنبنا على واجباتنا تجاه من نحب، ازددنا شعورًا بالعجز عن إنقاذ ما يتبقى من الإنسانية فينا.

 نعيش في صراع لا ينتهي، صراع يبتلع الزمان والمكان، ويهدد بجعل الوطن مجرد فكرة بالية، وأرضًا يجرفها النسيان، كما قال دوستويفسكي: "إن الكبار حقًا هم من يبقون شرفاء حتى في أشد المحن"، لكن كيف نحيا بهذا الشرف، ونحن محاطون بحماقات لا حد لها؟

أن نحيا مهمومين في هذا العالم الموحش هو النضال الحقيقي، إذ نتأرجح بين محاولة سد كل المنافذ التي يتسلل منها الظلام، وبين شق طريق ضيق للنور، ومع ذلك، لا موت أشد من موت الضمير، البقاء في هذه الحياة يعني المشاركة في الألم، العمل على الحفاظ على من يشبهوننا في الروح، وحماية دموع الأحبة من السقوط خوفًا علينا.

أكتب هذا لأنني أخوض معترك حياة، مهنتها الصحافة، تلك التي باتت معاييرها تنقرض، لكن أن تكون صحفيًا أو حاملاً لمهنة ما، لا يعني التخلي عن الإنسان الذي تؤمن به، أو الحياة التي تعطيها كل همك، إذ يجب أن تكون الحياة، كما قال نيتشه، "جسراً نعبره، لا معبوداً نعبده".  

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي