شهدت الأسابيع الأخيرة تحولات دراماتيكية في المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، حيث اغتيال إسرائيل لعدد من كبار قادة حزب الله، وصولاً إلى مقتل أمينه العام حسن نصر الله. هذه العمليات المتتالية تركت حزب الله في مفترق طرق، خاصة بعد استهداف قياداته العسكرية والسياسية، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل الحزب وخياراته في المرحلة القادمة.
**اغتيال القيادات العليا: أداة ضغط أم اختراق؟**
يبدو أن إسرائيل قد اتبعت استراتيجية جديدة تقوم على استهداف مباشر وممنهج لقيادات حزب الله، مستعينة بضربات دقيقة شبيهة بأعمال القنص. هذه الاستراتيجية تشير إلى سيناريوهين محتملين:
1. بيع إيران لحزب الله: أحد التفسيرات التي تطرح نفسها هو أن إيران، الراعي الأساسي لحزب الله، قد قررت التضحية بقياداته لتحقيق مصالح أوسع. ربما تتعلق هذه المصالح بترتيبات داخلية في إيران أو ترتيبات إقليمية تسعى من خلالها إلى تصعيد أو تهدئة النفوذ في المنطقة. 2. اختراق إسرائيلي:
السيناريو الأخطر هو أن إسرائيل قد تمكنت من اختراق صفوف حزب الله على أعلى المستويات، مما سمح لها بتنفيذ عمليات الاغتيال المتتابعة. هذا الاختراق قد يكون عبر تكنولوجيا الاتصالات التي كانت في السابق أحد أهم نقاط قوة الحزب، مما يدل على أن التفوق التقني الإسرائيلي بدأ في تفكيك هذه القوة.
التبعات الإقليمية: انتظار رد الفعل الإيراني
ردة الفعل الإيرانية على مقتل نصر الله ستكون العامل الحاسم في تحديد أي من السيناريوهين أقرب للحقيقة. فإذا جاء الرد الإيراني قوياً ومباشراً عبر أذرعها الإقليمية، فهذا يعني أن السيناريو الأول هو الأرجح، وأن القيادة الإيرانية ما زالت تمسك بزمام الأمور. أما إذا اتسمت الردود بالتأجيل أو التصعيد المحدود، فقد يكون ذلك مؤشراً على اختراق إسرائيلي فعلي داخل البنية القيادية لحزب الله.
هشام صفي الدين: القيادة القادمة؟
مع مقتل نصر الله، يبرز اسم **هشام صفي الدين** كخليفة محتمل. كونه ابن خالة نصر الله، وصاحب نفوذ كبير داخل الحزب بصفته رئيس المجلس التنفيذي، يعطيه دوراً محورياً في المرحلة المقبلة. تقارير عديدة تشير إلى أن صفي الدين شخصية مؤهلة ومُدربة في أروقة المخابرات الإيرانية والدينية، وهو يتمتع بعلاقات وثيقة مع محور المقاومة، مما يجعله مرشحاً قوياً لقيادة الحزب في هذه الظروف الحرجة.
مصير حزب الله: قدرة المقاومة على الاستمرار..
مستقبل حزب الله يعتمد على قدرته على الرد السريع والقوي على هذه الضربات. إذا تمكن الحزب من تنفيذ عمليات مؤلمة في العمق الإسرائيلي، فسيؤكد بذلك أنه مؤسسة ذات هيكلية متماسكة قادرة على تجاوز الأزمات، وليس فقط حركة تعتمد على قائدها. أما إذا استغرق الحزب وقتاً طويلاً في الرد، أو طلب تهدئة غير مباشرة، فهذا يعني أن الضربات الإسرائيلية كانت ناجحة في إضعافه إلى حد كبير، وأن الحزب سيحتاج إلى سنوات لترميم بنيته الداخلية.
هل سينتهي حزب الله؟
رغم الضربات المتتالية، لا يبدو أن نهاية حزب الله وشيكة. فالحزب يمتلك قدرات عسكرية ضخمة، تتجاوز الـ100 ألف مقاتل، وأكثر من 100 ألف صاروخ وطائرات مسيرة، بالإضافة إلى شبكة مالية واسعة بنتها خلال ثلاثة عقود في عدة دول. لذا، فإن الحديث عن "نهاية" الحزب غير منطقي في الوقت الحالي، لكن كيفية إدارة هذه الموارد والقدرات ستكون التحدي الأكبر.
ختاماً: لبنان أمام مرحلة جديدة
الأيام القادمة قد تحمل في طياتها تطورات غير متوقعة، سواء داخل لبنان أو على مستوى المنطقة. ما حدث لحزب الله قد يغير قواعد اللعبة، لكن لا يزال من المبكر حسم الاتجاه الذي ستسير فيه الأمور.
-->