محكمة … الجلسة الثالثة

صفوان سلطان
الأحد ، ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٢ مساءً

في صباح الجلسة الثالثة، اكتسى جو المحكمة بوقار استثنائي. كانت القاعة تعج برهبة حضور أرواح الشهداء، تلك الأرواح التي ضحّت بحياتها في صفوف الجيش والمقاومة من أجل الجمهورية والوطن. على جانبي القاعة جلس المتهمون، خائفين ومترقبين، بينما امتلأت القاعة بأرواح شهداء 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وشهداء الحروب التي تلتها، أولئك الذين بذلوا أرواحهم لإعادة اليمن إلى مسار الحرية والديمقراطية.

حين دوت الكلمة الشهيرة "محكمة!"، خيّم الصمت على الجميع، وامتلأت القاعة بهالة من النور، وكأن أرواح الشهداء تنير المكان بقدسيتها. تلك الأرواح التي كانت اليوم شهودًا على محاكمة الزمن والتاريخ. الجميع، بمن فيهم المتهمون، شعروا بأنهم أمام لحظة مفصلية، لحظة تعكس حجم التضحيات التي قدمها الشهداء.

تحدثت هيئة المحكمة بصوت هادئ مهيب، مخاطبة شهداء الدفاع عن الجمهورية واستعادة الدولة من قبضة الميليشيات الحوثية: "ما الذي حدث؟ وكيف استشهدتم وأنتم تدافعون عن الوطن والجمهورية؟"

ساد الصمت العميق، وخيّم على القاعة شعور بالترقب والخوف. كل الأنظار اتجهت إلى الشهداء، وكأنهم ينتظرون جوابًا سيكشف أسرارًا طمستها الأحداث. فجأة، قطع هتاف الشعب صمت القاعة: "بالروح بالدم نفديكِ يا يمن!" كانت تلك الصرخة بمثابة تأكيد بأن الشعب، رغم كل الجراح، لا يزال يسير على درب الشهداء، وهتفت معهم أرواح الشهداء في توافقٍ مهيب، ثم عاد الصمت من جديد ليسمح للأرواح بالحديث.

أجاب الشهداء بصوت هادئ لكنه مفعم بالحزن: "لقد سمح الصراع السياسي، والتنازع على السلطة والمناصب، للحوثيين وميليشياتهم الإرهابية بالتغلغل في المحافظات والسيطرة على مفاصل الدولة، خاصة العاصمة صنعاء. لم نجد أمامنا إلا أن ندافع عن ديننا ووطننا وجمهوريتنا ضد تلك الأفكار السلالية التي أرادت إعادتنا إلى ما قبل 26 سبتمبر."

استمرت الأرواح في شهادتها، دون أن يجرؤ أحد على مقاطعتها: "لقد اعتمد الحوثيون على تفريق القوى السياسية وتحالفوا مع بعضهم لضرب بعض، ومن تحالف معهم ظن أنه قادر على القضاء عليهم بعد ذلك. ولكن حين أدرك خطأه، كان الحوثي قد سيطر على صنعاء وتفرد بالحكم."

في تلك اللحظة، ارتفعت مشاعر الخوف والرهبة على وجوه المتهمين. لم يعد هناك مكان للتبريرات أو الأعذار، فقد انكشفت الحقيقة المرة: كانت القوى السياسية تعلم جيدًا خطورة الفكر السلالي الذي تحمله ميليشيا الحوثي، لكنهم جميعًا تحالفوا معها لضرب خصومهم، ظانين أنهم قادرون على التحكم في النهاية. لم يدركوا أنهم جميعًا كانوا ضحايا خطة الحوثيين المدروسة، التي دعمتها القوى الدولية من بعيد بصمت مخيف.

استمر الصمت بعدها، وكأن الجميع ينتظر المزيد. لم تتجرأ هيئة المحكمة على الحديث، منتظرين بصمت، ربما يكون لدى أرواح الشهداء المزيد لتقوله. وبعد لحظات من السكون، تعالت صرخات الشعب مرة أخرى: "بالروح بالدم نفديك يا يمن!"

حينها، تقدمت هيئة المحكمة لتشكر الشهداء، وقال القاضي بصوت مهيب: "نشكركم، أيها الشهداء، على تضحيتكم بأرواحكم فداءً للوطن والدين والجمهورية. إن يومنا هذا لا يليق به أن يُختتم بكلمات أخرى بعد حديثكم. نرفع الجلسة إلى الغد.

ثم خيّم الصمت من جديد على القاعة، وكأن الجميع يستعد لمواجهة الحقيقة الأليمة التي تنتظرهم في الجلسة القادمة التي سوف تستمع  خلالها رئاسة المحكمة لدفوع المتهمين.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي