محكمة … ( الجلسة الثانية)

صفوان سلطان
السبت ، ٢١ سبتمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٣ مساءً

 

كانت القاعة تعج بالأنفاس الثقيلة مجددًا، وهي تستعد لمشهد جديد من محاكمة التاريخ. امتزجت الأرواح، هذه المرة، مع شهداء ثورة 14 أكتوبر، الذين انضموا إلى شهداء الشمال في ثورة 26 سبتمبر، كلهم جاؤوا ليشهدوا محكمة الماضي والحاضر معًا. هذه المحاكمة ليست فقط للمتهمين الجالسين على المقاعد المتفرقة، بل هي أيضًا للنظام العالمي، للمصالح السياسية، وللصمت القاتل الذي سمح بفوضى الحوثيين.

 

جلس المتهمون في قاعتهم المهيبة، وقد تم تقسيمهم بعناية لتجنب أي صدامات، كل قسم على جانب، يتربص بالآخر عبر القاعة الواسعة. في المنتصف، كان الشعب – الضحية الحقيقية – يجلس، محاصرًا بين المتهمين، وهم الذين ساهموا في جرحه واغتصاب حريته.

 

دوى صوت أمين السر مجددًا: "محكمة!" ومع هذا الإعلان، توقفت جميع الأصوات. التفتت الأنظار إلى منصة المحكمة التي جمعت بين شهداء الوطن من كل أرجائه.

 

أعلنت هيئة المحكمة الموافقة على استدعاء الشهود. بدأ الشاهد الأول، الأمين العام للأمم المتحدة، في الإدلاء بشهادته. نظر القضاة إليه بترقب وهم يسمعون السؤال الأول الذي أُلقي عليه بصوت مليء بالحسم:

 

"منذ ثورة 2011، أرسلتم ممثلكم جمال بن عمر، وأشرفتم على الحوار الوطني الشامل. لماذا لم تقم الأمم المتحدة بالتزاماتها وتوقف جماعة الحوثي منذ بدايتها؟"

 

صمت الأمين العام للحظة، ثم قال بصوت هادئ لكنه مليء بالتبريرات الجوفاء: "لقد أعربت عن قلقي أكثر من مرة."

 

ما إن خرجت هذه الكلمات من فمه حتى ضجت القاعة بالضحك المرير والصراخ المتألم. كان رد الشعب على تلك العبارة التي رددتها المؤسسات الدولية مرارًا وتكرارًا بمثابة طعنة في قلب كل يمني. أما القلوب، فقد بكت بصمت، فالضحك اختلط بالدموع في تعبير عن الألم العميق الذي شعر به الجميع.

 

تابع الأمين العام حديثه ليضيف: "لقد عينت جمال بن عمر ممثلاً لي، وهو من كان يتابع الأوضاع منذ 2011 وحتى 2015. يمكنكم سؤاله."

 

لكن المحكمة لم تكن راضية بهذه الإجابة. وجاء السؤال التالي مباشرة:

 

"في 27 يناير 2013، عقدتم جلسة لمجلس الأمن في صنعاء. ماذا كان هدفها؟"

 

أجاب الأمين العام مجددًا بتصريحات دبلوماسية: "دعم اليمن، والتأكيد على المساندة الدولية. كان الهدف هو تحقيق السلام."

 

قاطعت المحكمة بصوت صارم: "هل تحقق هذا الهدف؟"

 

ساد الصمت للحظات ثقيلة، كأن الزمن توقف. وفي النهاية، جاء الرد المعتاد من الأمين العام: "شعرنا بالقلق..."

 

تلك اللحظة، وعلى عكس الجلسة السابقة، كان المتهمون متفقين على جهة واحدة يوجهون إليها أصابع الاتهام: المجتمع الدولي، الذي سمح للحوثيين بالسيطرة بينما كانت صنعاء تقصف ويجري التفاوض مع المليشيات. تعالت الأصوات مرة أخرى، لكن هذه المرة كان المتهمون يصرخون باتجاه المبعوث الأممي جمال بن عمر، الذي شوهد يتناول الغداء مع قادة الحوثيين بينما كانت العاصمة تسقط في أيديهم.

 

هنا، جاء صوت المحكمة حادًا ليقطع الصراخ: "لماذا لم تتخذ الأمم المتحدة إجراءات صارمة؟ لماذا اكتفيتم بالصمت، بينما الحوثيون يسيطرون على صنعاء والمحافظات الأخرى؟"

 

تدخل جمال بن عمر، الذي كان يجلس بهدوء متعجرف، وقال بصوت ينم عن مكر خفي: "المجتمع الدولي تحكمه مصالحه. لم يكن هناك توجه دولي لوقف الحوثيين. استغلوا هذا التردد والصراعات الداخلية بين القوى السياسية الوطنية. ضعفتم في الدفاع عن جمهوريتكم، بينما كان العالم يراقب."

 

وجه بن عمر كلامه إلى المتهمين، وقال بسخرية: "قبل أن تلوموا الأمم المتحدة، لوموا أنفسكم على الصراع الذي قاد اليمن إلى هذا الوضع."

 

تفجرت القاعة مجددًا. صرخ الشعب، وصرخ المتهمون، وكلهم يرفضون تحميلهم مسؤولية الكارثة وحدهم.

 

لكن حين دوى صوت ثوار 26 سبتمبر و14 أكتوبر، عادت الجدية إلى القاعة، وتلاشى الصراخ. كان صوتهم كمدفع دبابة دار البشائر الذي دك قصر الإمام البدر. صمت الجميع، وعاد النظام إلى القاعة.

 

أُغلقت الجلسة الثانية، وأعلن القضاة أن الجلسة الثالثة ستعقد غدًا، حيث ستستمر المحاكمة، ومعها ستتوالى شهادات التاريخ التي لم تُكتب بعد.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي