في أعماق *الـ "مناطق المحررة"* التي ما زالت تبحث عن حريتها بين الأزمات الاقتصادية، تتجول الأموال في أروقة المكونات السياسية كما لو كانت جائزة نوبل للسلام قد وزعت على الجميع. ولكن بدلًا من استغلالها في وضع الخطط و برامج التنمية والاقتصاد، يبدو أن النقود تنفق على أشياء أهم بكثير... مثل شراء الكراسي الوثيرة للمسؤولين حتى يجلسوا براحة ويتحدثوا عن "خطة النهوض الاقتصادي" التي تأتي دائمًا غدًا، ولكن "الغد" في اليمن ليس سوى صحراء قاحلة من الوعود الفارغة.
أصبح الوضع الاقتصادي في اليمن مسرحًا للسخرية من الواقع؛ كل فريق سياسي يحاول جاهدًا أن يقنعنا بأن لديه الحل السحري لإصلاح الاقتصاد. في الحقيقة، الحلول كثيرة ولكنها كلها تتساقط أمام الرغبة الجارفة لكل فريق بالسيطرة على أكبر قطعة من الكعكة. في حين أن الكعكة نفسها أصبحت مجرد فتات!
لنأخذ على سبيل المثال البنك المركزي، الذي يشبه اليوم أكثر من أي وقت مضى طاحونة هواء في قرية نائية. يدور في مكانه، يطحن فراغًا، وكلما سمعنا عن قرار جديد، توقعنا أن نرى أموالًا تتساقط من السماء، ولكن كل ما نراه هو غبار الفساد المالي يتطاير من فوق رؤوسنا.
أما الأطراف المتنازعة، فهي كالفرق المتنافسة في بطولة كرة قدم محلية، كل فريق يحاول أن يسجل هدفًا في مرمى الفريق الآخر، دون أن يدركوا أن مرماهم هم هو الوحيد الذي يمتلئ بالديون. وكلما ارتفع مستوى التنازع بينهم، انخفض مستوى رغيف الخبز على طاولات المواطنين. بات المواطن اليوم في المناطق "المحررة" يشتري حلمه بدولة مستقرة، ولكن العملة المتداولة لشراء هذا الحلم هي الأوهام والخيبة.
الشعب اليمني اليوم أشبه بمزارع في أرضٍ خصبة يزرع، يسقي، وينتظر الحصاد، ولكن المسؤولين يأتون ليأخذوا الثمار قبل أن تنضج. وكما يقول المثل الشعبي اليمني: "من جا يشتري، رجع يبيع".
-->