عُرف عن المواطن اليمني شجاعته ونخوته وفزعته في الملمات، بالإضافة إلى كرمه، منذ القِدم.
شاهدت والكثيرون، على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لشباب في مديرية جبلة بمحافظة إب يوثِّق لحظة قيامهم بإنقاذ أسرة كاملة حاصرها السيل داخل منزلها.
وللعلم، هذا المشهد يتكرر في طول اليمن وعرضها، ولا يمكن لأهل أي قرية في اليمن أن يتركوا واحدا منهم يُصاب بمكره دون أن يفعلوا أي شيء لإنقاذه.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، شاهدت وشاركت وأنا شاب مواقف كثيرة، في قريتي، قريبة جدا من مشهد جبلة.
وكم شاهدنا وقرأنا عن شباب حاولوا إنقاذ شباب آخرين حاصرهم الدخان في بئر فماتوا جميعا.
في اليمن، قد يضحي الشاب بحياته من أجل أن ينقذ طفلا أو امرأة أو رجلا كبيرا في السن، وهذا ما حدث مع شابين آخرين في محافظة إب نفسها، عندما حاولا أن ينقذا طفلين جرفتهما السيول، لكنهما فقدا حياتهما ثمنا لذلك.
والمؤسف أن تضحية الشابين بنفسيهما لم تأخذ حظها من التغطية الإعلامية كما يجب.
أتذكّر حدثا مازال عالقا في ذهني إلى اليوم: اشتعلت نار، ذات مرة، في أحد البيوت؛ مجرد أن شاهد أبناء القرية الدخان يخرج من البيت سارعوا جميعا لإطفاء النار؛ النساء مع الرِّجال كلهم عملوا بروح الفريق الواحد، استطاعوا، خلال دقائق، إخماد النار، وإخرج كل من كان في البيت سليما معافى.
ولأني أعرف يقينا شجاعة ونخوة وتضحية المواطن اليمني، فلم أستغرب عندما شاهدت الصور ومقاطع الفيديو لما حدث في جبلة.
فالطبيعي جدا أن يقوم أبناء القرية بإنقاذ أسرة، ومن غير الطبيعي أنهم لا يفعلون.
فلا يمكن لليمنيين أن يتركوا أسرة منهم تغرق في مياه السيل وهم يتفرّجون، لا يمكن مطلقا؛ لأن ذلك ليس من شيمهم ولا من أخلاقهم.
ولو أنهم عجزوا عن إنقاذ الأسرة لشعروا بتأنيب
الضمير، وسيعتبرون ذلك نقصا في رجولتهم.
كل ما في الأمر أن هناك من قام بتوثيق الحدث، وظهر لنشطاء التواصل الاجتماعي أنه عمل بطولي، وهو كذلك. إنه عمل طبيعى يتكرر في كل قرى اليمن بصُور مختلفة.
الشاب الذي ربط نفسه بالحبال نزل لإنقاذ الأسرة، لو أنه لم يبادر هو لبادر غيره؛ حظه أنه كان أول المبادرين، وفاز بقصب السبق.
أنا على يقين أن البقية، الذين كانوا في سقف البيت، ربما أكثر إقدما وشجاعة منه؛ لأن الموقف يقتضى الشجاعة والإقدام التضحية، ولا يمكن لأحد أن يرجع عن ذلك.
تحية حب وتقدير لكل أبناء القرية، والحمد الله على سلامة الأسرة، وشكرا لمن قام بالتوثيق؛ لأنه أظهر للعالم عظمة الإنسان اليمني.
ورحم الله الشابين وديع قناف وأيهم سليم الأرحبي، وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة؛ حيث تم العثور على جثة وديع في وادي زبيد ما بين منطقتي الأحكوم والقفر، فيما تم العثور على جثة أيهم سليم في سائلة منطقة ربابة بمديرية القفر شمال محافظة إب.
-->