يكثر انشغال المسلمين في شهر رمضان من كل عام، بهذه الليلة المباركة، ضمن اعتقاد مغلوط لا علاقة له بكتاب دين الله، اعتماداً على مرويات نُسبت لرسول الله، بأنها ليلة مباركة، تكون ضمن أحد الأيام الأواخر للشهر الفضيل، واختلفت الرويات في أي يوم منها، ومن المقطوع به يقيناً أن رسول الله لن يتقول على الله قولاً يخالف كتاب وحي الله.
والمرويات المنسوبة لرسول الله تقول أنه "أُنْسِيَ في أي ليلة هي" فكيف ينسى عليه الصلاة والسلام ليلة أُنزل فيها القرآن، ولها سورة باسمها، وذكرة في سورة أخرى، ونُسِبَتْ أيضاً لرسول الله روايات عن فضل هذه الليلة، وأن من تُصادفه يفتح له باب سعده، وتستجاب طلباته، وتُغفر له ذنوبه، ومن حُرمها فقد حُرم الخير كله، وهذه المرويات تنفي كل آيات الحساب والثواب والعقاب، وكل آيات الأعمال للإنسان، ومن يستعرض كتاب الله يجدها مخالفة لآيات الله.
وهنا يبرز سؤال منطقي وفقاً لهذه المرويات المنسوبة كذباً على رسول الله، هل الله موجود فقط في ليلة القدر ويجيب السائلين فيها فقط؟
وكتاب الله في آيات الواضحة البيان والتبيان، يؤكد أنه سبحانه معنا في كل وقت وحين، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وطالما هو سبحانه كذلك فلا تخصيص منه سبحانه لهذه الليلة، ولا ينزل للسماء الدنيا ليستجيب الدعاء، كما يُقال، يقول سبحانه:
﴿هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ یَعۡلَمُ مَا یَلِجُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا یَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا یَعۡرُجُ فِیهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ﴾ [الحديد ٤]
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ﴾ [ق ١٦].
وطوال التاريخ ومنذ نزول القرآن لليوم، لم يثبت أن أحداً من المؤمنين شاهد ليلة القدر، وفتحت له السماء ليدعوا ويُجاب كما يقال.
حقيقة ليلة القدر
كتاب الله هو القول الحق، وليلة القدر فيه، هي الليلة التي أنزل الله بها كتابه القرآن، معجزة الرسالة الخاتم، حتى قيام الساعة، وتم إشهاره بها، ولن تتكرر فالقرآن نزل مرة واحدة فقط، وهناك سورة باسمها وقد وصفها الله، ووصف إنزال القرآن بقوله سبحانه:
﴿ حمٓ * وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ * أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ * رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ * رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ﴾ [الدخان ١-٨]
﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ * وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ * لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ * تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ * سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾ [القدر ١-٥]
والقرآن تم إنزاله في ليلة القدر المذكورة في كتاب الله، ولا يتكرر إنزاله في رمضان من كل عام، وهو محفوظ بين دفتي المصحف، فلا يمكن إنزاله مجدداً في كل عام وفي شهر رمضان، وفي الليلة التي تذكر الروايات أنها ليلة القدر ، فهذه الآيات ليس فيها ما يفيد تكرار الإنزال وحدوث ليلة القدر، لذلك فهي ليلة ميزها الله لإنزال كتاب معجزة رسالته الخاتم "القرآن"، وتم الإنزال ولمرّة واحدة في حينه.
جوهر المشكلة.
مشكلة الكثيرين من الأمة أنهم هجروا القرآن كما وصف الله بقوله، ﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا﴾ [الفرقان ٣٠]، واستبدلوه بكتب الناس المليئة بالمتناقضات.
فهم لا يكتفون بكتاب الله وحده، فهم الذين :
١- يتبعون قول الآباء دون إعمال للعقل.
﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلۡ نَتَّبِعُ مَاۤ أَلۡفَیۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة ١٧٠].
٢- لا يكتفون بكتاب الله.
﴿أَوَلَمۡ یَكۡفِهِمۡ أَنَّاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَرَحۡمَةࣰ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ [العنكبوت ٥١].
٣- لا يفقهون كتاب الله، ولا يعجبهم ذكر الله وحده، بل يشركون معه الناس.
﴿وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَـٰرِهِمۡ نُفُورࣰا﴾ [الإسراء ٤٦].
٤- إذ ذكر الله وحده دون السدنة والكهنة والرهبان والشيوخ أشمأزت قلوبهم، وإذا ذكر غيره يستبشرون.
﴿وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [الزمر ٤٥].
٥- الذين يتبعون أهوائهم خارج هدي الله.
﴿فَإِن لَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یَتَّبِعُونَ أَهۡوَاۤءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَیۡرِ هُدࣰى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [القصص ٥٠].
٦- هم للحق كارهون.
﴿أَمۡ یَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَاۤءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَـٰرِهُونَ﴾ [المؤمنون ٧٠].
٧- يخلطون الإيمان بالشرك.
﴿وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ﴾ [يوسف ١٠٦].
٨- لا يتدبرون القرآن.
﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِیهِ ٱخۡتِلَـٰفࣰا كَثِیرࣰا﴾ [النساء ٨٢]
﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ﴾ [محمد ٢٤]
كتاب الله وحده الحق وما عداه باطل.
د عبده سعيد المغلس
٢١ رمضان ١٤٤٥
-->