قراءة لمقابلة صحفّية!

د. علي العسلي
الخميس ، ١٥ فبراير ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١١ مساءً

 

في العدد (16509)، لصحيفة الشرق الأوسط، ظهر عنوان بارز: (( كبير مفاوضيهم أكد فصل السلام عن عمليات البحر الاحمر.. 

 

دخلت للصفحة الثالثة من الجريدة، وقرأت المقابلة، ففيها ما فيها من المغالطات، ومن تغيير للخطاب تجاه المملكة. واليكم القراءة لها؛ فأقول: 

 

عجيب لأمر هؤلاء الحوثة، بعد عداء واستعداء للمملكة العربية السعودية، ظهر ناطق الحوثة (فليتة) من على صحيفة مقربة للمملكة، ليقول عن مسؤولي المملكة بالاخوة..بعد اسرافهم اللفظي بــ" الاعداء"، واعتداءاتهم وعدوانهم على الحدود والأعيان المدنية، حتى مكة لم تسلم من قبحهم وادعائهم.

 

 فإن كان صادقاً، وأشك في ذلك، وأعلم ان المملكة تعي وتدرك ذلك.. اقول له جسّد القول بالفعل يا حوثي! ووقع خريطة الطريق الآن، وانهي استفزاز المملكة بتدريباتك واستعراضك القتالي في حدودها.

 

وعليك سنسجل ما قلت، بأنه تخلي واضح عن العدوانية تجاه المملكة واليمنيين، وعن اتهامها بانها طرف. وبقي عليك ايضاً أن تُنهي من قاموسك وصف الشرعية بالمرتزقة، فهم والمملكة حلفاء ومتحالفين، والمملكة لهم داعمة، ولاستعادة الدولة والسلطة الشرعية هي عاملة، ولقبولكم مكوّن فيها هي ساعية، فلا تستعدونها لصالحكم قبلها، وليكن تغيير خطابكم قناعة لا تكتيك ولا تقيه، لما تواجهون من امريكا وحلفائها!

 

وانظروا معي أيها الكرام بشيء من القراءة الفاحصة والتحليل، واخلصوا الى استنتاجاتكم لحديث (فليتة)، حيث قال: 

 

((إنه تمّ تجاوز عقبات كانت تواجه خريطة الطريق مع قيادات سعودية، سمّها "الالتزامات"،مضيفاً أن المبعوث يحاول" إنجاحها" ليرسم من خلالها "حلاً" للأزمة))..

عقبات.. وسمّاها التزامات..التزامات مِن من ولمن؟ لا يزال الكلام غامضاً..

 

انظروا كيف عبّر عن شيء غامض غير معلوم، مطلوب إنجاحه من شخص اعتباري معروف ولايته الدولية في اليمن، كشرط يسبق إنهاء الازمة اليمنية وحلّها!

 وهناك مساحة في المراحل المختلفة للمجادلة والانكار والتشكيك بالأخر، ثم التنصّل بسُهولة ويُسر! 

 

بالنسبة لي اصبحت بعد هذا الحديث أكثر قناعة بأن الحل مع هؤلاء البشر غير مجدي.. فهم يتلونون بحسب المعطيات ولا يصدقون في شيء، بل غير ممكن السلام معهم، مالم يُكسروا.. 

 

ورغماً عنه "فليتة" اعترف بنجاح الدبلوماسية السعودية في جهود الوساطة.. اتمنى ألا يكون حديثه فقط للمجاملة، وإنما قد وصلوا إلى قناعة، ولمصلحتهم قبل غيرهم ترك العنف والتصعيد والاقتراب من السلام، والقبول فعلاً بالوساطة السعودية!

 

فالسعودية استطاعت ونجحت بالفعل أن تروّض الحوثيين، وتكشف ما يخفون في دواخلهم، فعرّتهم وكشفت ابتزازهم وعدم صدقهم في مواقفهم..فليخرسوا إذاً ومن ناصرهم عن التحدث وكيل الاتهام للأخرين!

 

السعودية باعتراف ناطقهم أنها ذللت العقبات، وتم تجاوزها كلها، ولم يبقى غير عقبة العقبات نحو السلام،(الحوثي)، لكنّ المملكة في طريقها لتجاوزها!

 

 اعتراف (فليتة) بالايجابية مع المملكة.. وهذا يقتضي ألا يطلب من المملكة التوقيع كطرف، بل راعية ووسيطة.

 

ثمّ انظروا الى هذه الجملة الخطيرة في مقابلة (فليتة)، حيث قال:  

إن ‏خريطة الطريق تضمنت مخاوف الجميع..((تضمنت))، كأنها تسجيل مواقف، وليس على من سيوقع عليها الالتزام بها .. كأنه ينتقدها ولم يفصح، وكأنها لم تُوجِد معالجة للمخاوف كلها، بل إن النجاح أو الفشل يظل وارداً،ومهدداً بمزاجية الاطراف، فإن لم يتم تجاوز المرحلة الأولى مثلاً، فلن يستمروا بالمرحلة التالية، وهكذ... 

 

 المطلوب أن تكون الخررطة محملّة بالحلول الجذرية كحزمة واحدة يوافق ويلتزم في تنفيذها جميع الاطراف.. هذا رأئي.

 

إن خريطة الطريق إذاً.. بحسب ما أفاد به (فليتة) للشرق الاوسط تتضمن حواراً سياسياً يبدأ بالملفات التالية وبحسب الترتيب: 

" الملف الانساني (فتح طرق ومطارات وموانئ، والافراج عن المعتقلين)؛ فالملف العسكري؛ فالملف الاقتصادي؛ ثمّ الملف السياسي".

 

ومعلوم أن المشكلة الرئيسة هي سياسية، فيقول الحوثي أن هذا الملف تُرك للأخير وللمتفاوضين في تلك المرحلة، يقول: "إذ لا نستطيع أن نتنبأ بتفاصيل الوضع السياسي الآن، وهذا بديهي".. 

 

فأي وضع سياسي لا يستطيع أن يتنبأ بتفاصيله الحوثي الآن؟؛ وما هو هذا البديهي؟؛

  إلا إذا كان الحوثة يخططون للانقلاب على خريطة الطريق التي من الممكن توقيعها الآن، ليتنصل عنها مفاوضيهم مستقبلا!! 

 

في اعتقادي أن هذا مثار سؤال عريض، أيعقل ألا تتضمن خريطة الطريق؟ " المراحل وتزميناتها، وكذا الآليات الكفيلة للتنفيذ مع وجود ضمانات دولية واقليمية توجب الالزام والتنفيذ الدقيق بحسب المدد المزمنة"!؛ 

 

إذ قد يستفيد الحوثي من فوائد بعض المراحل والملفات، ثمّ يتنصل عن استكمال المراحل مستقبلاً ،وهو المشهور بالتنصل والانقلاب والنكوث، لأنه لا يريد ولا يقبل بالسلام والحل السياسي الشامل والعادل. 

 

ويقول (محمد عبد السلام)، إن عمليات البحر الأحمر منفصلة عن السلام،وجاءت ضرورة للاستجابة للوضع الفلسطيني الملحّ الذي يمثل حالة خطيرة على الأمن الإقليمي والعربي والإسلامي ويؤثر علينا في اليمن...وجاءت في إطار محاولة الضغط علينا للتراجع عن موقفنا.

 

أشك في هذا الطرح.. ومع ذلك اقول بالمقابل إن كانت امريكا قد تحركت ضد الحوثي بسبب موقفه من فلسطين؛

 

فلماذا لايوقع الحوثي السلام مع السلطة الشرعية التي ترعاه المملكة ويحرج امريكا في تدابيرها ضده!

 

هذا هو تحليلي للمقابلة.. متمنيا ان اكون على خطأ وان الحوثي قد وصل الى قناعة تامة ولمصلحته ومصلحة اليمن، ان يوقع على خررطة الطريق في القريب العاجل.

 

غير أن تحرك المبعوث الأممي يشي بغير هذا..فقد ابدى خيبة امله من زيارته لطهران. وتحوّل من طلب ايران للضغط على الحوثيين، الى أن طلبت ايران منه أن يمارس هو الضغط على الشرعية.. 

لوحظ ذلك من خلال زيارته المكوكية في مناطق مرشّحة لاستئناف القتال كالساحل وتعز! 

 

 على العموم.. على الحوثي التوقيع والالتزام بالتنفيذ بحسب المرجعيات المعتمدة والقرارات الدولية ذات الصلة، إن كان الحوثي للسلام قد اقترب!؛ والسلام بغير وجود القوة سراب..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي