يمر اليمن بوضع سياسي واقتصادي وقانوني معقد، تأثر إلى حد كبير بالصراع المستمر ويواجه اليمن حرباً أهلية طويلة الأمد منذ عام 2014، شاركت فيها فصائل مختلفة ولم تتمكن الوساطة الدولية والأقليمية للتوصل إلى حل سياسي للصراع في اليمن وبات التقدم في هذا الصدد محدوداً حيث تظل التحديات السياسية الكبرى، مثل تشكيل حكومة شاملة والانتقال السياسي الديمقراطي عالقيين مما يجعل مستقبل اليمن غير مؤكد ومحفوفاً بالمخاطر. في اليمن ثلاث جهات حاكمة هي المجلس القيادي الرئاسي/ الانتقالي/ الحوثي، ولكن من هو ممثل الشعب اليمني؟ لا أحد، أكملت “ثورة التغيير” عامها ال 13 هذا الاسبوع ولم يتم إنجاز شيء بعد للشعب اليمني: لا كهرباء، لا مياه نظيفة، لا نظام رعاية صحية، لا أمن، لا تعليم، والكثير من ضروريات الحياة إما معدومة أو مدمرة؛ هناك فجوة كبيرة حقيقية بالفعل على ارض الواقع بين أبناء الداخل وبين من يمثلون اليمن في الخارج أمام المجتمع الدولي، فهؤلاء الممثلين لم يتم تعيينهم وفق انتخابات رسمية أو بتفويض من الشعب وفي نهاية كل خطوة يخطونها، وحده الشعب اليمني هو من يدفع الثمن رغما عنه. ونتيجة لفقد التواصل بما يحدث في الداخل وعدم الاهتمام بتطبيق الرقابة الداخلية، تفشي الفساد والجريمة، بالإضافة إلى إهدار القيم المجتمعية بسبب العوز والجوع والصراع من أجل البقاء، فمتوسط الراتب الشهري أقل من 50 دولارا والحد الأدنى لاستئجار منزل صغير حوالي 150 دولار، وبعملية حسابية بسيطة نتأكد ان الاقتصاد اليمني حاليا تحت الصفر رغم موقع اليمن الاستراتيجي وموارده النفطية والمعدنية المتنوعة. السؤال هنا هل باستطاعت الحكومة الجديدة الوقوف على مشارف ايجاد حلول للازمة السياسية والاقتصادية دون احتكار قرار التصرف في ممتلكات وموارد الدولة على المجموعة الحاكمة؟.
والجدير بالذكر انه نتيجة غياب الرقابة الداخلية والادارة الحكيمة وقت الأزمات، تأثر الاقتصاد اليمني بشدة وخاصة في البنية التحتية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات وشبكات النقل، وأدى تعطل الأنشطة الاقتصادية إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض فرص العمل، وزيادة البطالة ولا يمكن لأحد أن ينكر أن العملة تدهورت بشكل سريع في الفترة الأخيرة، حيث واجه الريال اليمني تراجعا كبيرا في قيمته، مما ساهم في زيادة التضخم، وتعرض ايضا النظام القانوني في اليمن لضغوط شديدة بسبب الصراع، مع زيادة التحديات لسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، ولذلك لا بد بالبدء في اسرع وقت بايجاد حل شامل لجميع القوى السياسية في اليمن وانشاء لجنة (إدارة الازمة الاقتصادية والأنسانية الداخلية) تضم كل فئات النسيج اليمني وهدفهم هو الاصلاح الداخلي، بما يؤمن الاستقرار النسبي على الأرض، ويحقق المصلحة الدولية المشتركة عبر باب المندب وخليج عدن.
بشكل عام، فإن الوضع السياسي في اليمن يعكس تعقيد الصراعات والتداخلات الداخلية والخارجية التي تعتري البلاد ويتطلب تحقيق السلام والاستقرار في اليمن جهود دولية وإقليمية مشتركة هدفهم استقرار المنطقة، بالإضافة إلى إرادة سياسية حقيقية من قبل الأطراف اليمنية المتحاربة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة تحقق مطالب الشعب اليمني بالحياة الكريمة والاستقرار.
* باحثة متخصصة في قضايا الهجرة
-->