المملكة هي المملكة... لم تتغيّر، بل أمريكا هي من تغيّرت!

د. علي العسلي
الاثنين ، ١٢ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٠٩ مساءً

 

((قراءة في زيارة ترامب للمملكة والمنطقة))

 

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج في لحظة إقليمية ودولية حساسة، تتزامن مع اشتداد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني تحت حصار ظالم وتدمير ممنهج.

ورغم تعاقب الإدارات الأمريكية وتبدل أولوياتها، تبقى المملكة العربية السعودية ثابتة على مواقفها، راسخة في دعمها للقضية الفلسطينية، لم تزعزعها التحولات الدولية ولا التحالفات المتقلبة. فمنذ مبادرة السلام العربية التي أُطلقت في قمة بيروت 2002، والمملكة متمسكة بحل الدولتين وفق حدود عام 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.

هذه المبادرة التي حظيت بإجماع النظام العربي والإسلامي لا تزال الخيار الأكثر عقلانية، ولا تزال المملكة تعتبرها حجر الزاوية لأي حل مستدام، مهما حاول البعض الالتفاف عليها أو تجاوزها.

زيارة ترامب: رمزية الزمان والمكان

زيارة ترامب للرياض في أول جولة خارجية له، ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل تعكس بوضوح مكانة المملكة في المشهدين العربي والإسلامي، وثقلها في السياسات الدولية. ومن المقرر أن تشمل جولته كلًا من قطر والإمارات، ما يشير إلى اهتمام أمريكي بإعادة ضبط الإيقاع السياسي مع دول الخليج والمنطقة.

دعوة قادة مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وربما شخصيات سورية وعربية أخرى، لحضور لقاء موسع مع ترامب في الرياض، تؤشر على مرحلة جديدة من التفاهمات وربما التحولات الإقليمية.

تزامن مريب... أم إشارة سياسية؟

تزامن إقلاع طائرة ترامب إلى الرياض مع هبوط مروحية إسرائيلية في غزة لنقل الجندي مزدوج الجنسبة "عيدان ألكسندر"، المحتجز لدى حماس، لا يبدو مجرد صدفة. هذا الحدث يحمل دلالات سياسية، خاصة بعد إعلان حماس أن الإفراج جاء نتيجة تفاهم مباشر مع الأمريكيين، دون علم دويلة إسرائيل.

هذا التفاهم يعد امتدادًا لمسارات تفاوض غير علنية، جرت مع إيران والحوثيين، ومن قبلهم مع حزب الله عبر الرئيس "بري"، وكأن واشنطن تسعى إلى تخفيض حرارة التوترات في المنطقة قبل وصول ترامب، وهو أمر إيجابي في حال استُكمل بإجراءات واقعية.

غزة في واجهة الأولويات

أضحت قضية غزة أولوية للمجموعة العربية والإسلامية التي تقودها المملكة، والتي تتحرك بفاعلية لوضع حد للكارثة الإنسانية هناك. فهل تشكل زيارة ترامب بداية تحول حقيقي، أم أنها ستكون مجرد فصل جديد في سلسلة خيبات الأمل؟

تحجيم الدور الإسرائيلي؟

من اللافت أن إدارة ترامب، وعلى عكس سابقيه، وجهت ضربات سياسية لدويلة اسرائيل قبيل الزيارة، من بينها:

منع التصعيد الصهيوني في سوريا تقديرًا لتركيا ورئيسها.

التفاهم مع تركيا بشأن الأوضاع الإقليمية.

التفاوض مع إيران وحماس دون إعلام نتنياهو.

هذا يشي بأن دويلة إسرائيل لم تعد اللاعب الوحيد في المنطقة في نظر الادارة الأمريكية ، وأن هناك محاولة لإعادة رسم الأدوار، مع تقديم الدول العربية، وعلى رأسها المملكة، إلى واجهة القيادة الإقليمية.

خاتمة: توصيات عملية واختبار للمصداقية الأمريكية

رغم الجدل حول شخصية ترامب وسياسته، فإن زيارته للمنطقة قد تمثل فرصة حقيقية إذا ما أُحسن توظيفها. ومن هذا المنطلق، يمكن اقتراح التوصيات التالية:

• الضغط على نتنياهو للوقف الفوري للعدوان على غزة، ورفع الحصار، والسماح بدخول المساعدات، تمهيدًا لإعادة الإعمار.

• رفص التطهير العرقي والتهجير الطوعي والاجباري.

• التأكيد على المبادرة العربية للسلام كإطار شرعي ومتفق عليه دوليًا.

• المطالبة بإعلان أمريكي رسمي يدعم حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطين وفق حدود 1967.

• الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، بمشاركة الدول الفاعلة، وبرعاية سعودية.

• تفعيل القوة العربية الناعمة عبر الإعلام والدبلوماسية الشعبية، واستثمار رمزية المملكة الدينية والسياسية.

• تذكير واشنطن بأن استقرار المنطقة لا يقوم على الأمن والنفط فقط، بل على عدالة القضية الفلسطينية.

وتبقى النقطة الأولى - وقف العدوان ورفع الحصار - محكًا عمليًا لقياس جدية التحول الأمريكي. أما بقية التوصيات، فقد لا تتحقق كلها بزيارة واحدة، لكنها بلا شك يمكن أن تكون مدخلًا لتغيير حقيقي إذا توفرت الإرادة السياسية والقيادة الحكيمة.

والمملكة، وكما عهدها الجميع، لا تزال ثابتة على مواقفها، مبادِرة لا تابعة، داعمة لا مترددة، ومبادرتها العربية للسلام لا تزال الطرح العربي الوحيد القائم والمقبول دوليًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي