الرئيسية > منوعات > ألعاب الفيديو وسائط توطد التواصل الاجتماعي وتطور المهارات

ألعاب الفيديو وسائط توطد التواصل الاجتماعي وتطور المهارات

" class="main-news-image img

يعتبر أغلب الآباء والأمهات ألعاب الفيديو “شرا مستطيرا”، ويجمعون على أن ضرها أكثر من نفعها، ولا يتوانون في إبعاد أبنائهم عنها ومنعهم منها، فارضين رقابة صارمة على ما يأتونه في هذا الشأن، لأنهم يرون فيها مساوئ جمة دون مزايا. ومن جملة ما يتعلل به الآباء في هذا الصدد هو أن ألعاب الفيديو ذات تأثيرات نفسية وسلوكية وخيمة، تربط المقبلين عليها بعوالم افتراضية تنأى بهم عن واقعهم المعيش، وقد تسبب لهم أمراضا مزمنة على غرار اضطراب طيف التوحد.

 

لكن في المقابل تنطوي ألعاب الفيديو على عدة مزايا، بصرف النظر عن مساوئها التي تتجلى أيضا في اللعب المفرط والرهاب الاجتماعي والعزلة والانطواء ومحتوياتها العنيفة، إضافة إلى عدم امتثالها للمعايير القيمية والأخلاقية في أحيان كثيرة، ولعل من أبرز المزايا قدرتها على تطوير المهارات المعرفية لدى الأطفال والبالغين على حد السواء.

 

وأثبتت الدراسات المتخصصة أن “التلعيب”، وهو المقابل البيداغوجي للعب الفيديو، أو ما يصطلح عليه بـ”غيميفيكاسيون”، من شأنه مساعدة الألعاب المعرفية على إشباع الدماغ بالتحفيز المستمر، ومن ثمة تحسين أدائه. كما أن ممارسة بعض الألعاب تحسن قدرة اللاعب على التفكير في الأشياء، حيث يضطر المشاركون إلى التفكير وبلورة الإستراتيجيات والتحليلات، وأحيانا يتم ذلك بسرعة وتحت الضغط. ويطور العديد من اللاعبين في هذا الصدد مهارات معقدة في حل المشكلات.

 

لأجل ذلك لم تعد صناعة ألعاب الفيديو أو الألعاب الإلكترونية مجرد مصدر للترفيه، بل تحولت إلى إحدى أهم الصناعات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، حيث اتخذت بعدا اقتصاديا عاما خلال العقدين الأخيرين نظرا إلى العوائد المالية المحققة. ومن المتوقع أن تصبح هذه الصناعة أهم صناعة ترفيهية خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل تنافس شديد بين أكبر اقتصادين (أميركا والصين) في العالم على ريادة هذا القطاع.

 

 

وبلغة الأرقام استطاعت الولايات المتحدة في هذا المجال الاحتفاظ بمنصبها كأكبر سوق في العالم خلال 2022 بإيرادات وصلت إلى 55 مليار دولار بحسب موقع “ستاتيستا”. وبخصوص المزايا والإيجابيات التي تكتنف ألعاب الفيديو قال أوليفيي سيرفي، عميد كلية العلوم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتواصل التابعة للجامعة الكاثوليكية بلوفان في بلجيكا، إن “ألعاب الفيديو تعتبر هواية أثيرة بالنسبة إلى الكثيرين وتعزز الصلات بينهم عن بعد، ويربو عدد ممارسيها عن 3 مليارات شخص في العالم”.

 

وتابع في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن “ألعاب الفيديو أفرزت جملة من المزايا تتمثل في حفز قدرات التفاوض، والتنسيق عن بعد، إضافة إلى تنمية حس التشاطر العقلي بين اللاعبين بشكل سريع”، مسجلا الحاجة إلى توخي التوازن دوما “تفاديا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تبعات وخيمة لهذه الألعاب الإلكترونية”.

 

وأوضح سيرفي، وهو متخصص في أنثروبولوجيا الرقمنة، أن عمله ينكب على الوقوف عند تجليات الصمود الزمني لعلاقة الفرد بالرقمنة عموما، وبألعاب الفيديو على وجه الخصوص، لافتا إلى التمايزات التي رشحت بين هذه الأخيرة إثر بروزها في حلتها الأولى، وما يميزها اليوم من ممارسات تتجلى أساسا في “انبثاق التواصل الاجتماعي”، وما يبذله مبرمجو هذه الألعاب ومصمموها من جهود للرقي بجودتها وتعزيز جاذبيتها.

 

وبعدما كشف أن ألعاب الفيديو “ليست انتشاء وزهوا عابرين”، بل استطاعت أن توسع مجالات ظهورها، وما انفكت تحظى بالقبول من عموم الفئات العمرية، أشار إلى أن سوق التطبيقات تغري كافة هذه الفئات، مبرزا أنها تتطور باستمرار، وتتغذى من القدرات التكنولوجية الهائلة، من أجل الاستجابة للطلب الكبير للاعبين.

 

وبشأن مشاركته في أشغال النسخة الرابعة من “أسبوع العلوم” حول موضوع “الانتقالات”، والتي تتواصل إلى غاية السادس عشر من فبراير الجاري، أكد أن التظاهرة شكلت مناسبة للتطرق إلى “ألعاب الفيديو.. كسبيل جديد للحياة”، وفرصة سانحة لسبر مختلف مناحي هذه الهواية التي أضحت “ممهننة”، منوها بهذا اللقاء العلمي وما يتيحه من فرص لاستعراض آخر التطورات والمعارف العلمية في مجال “الانتقالات”، وتسليط الضوء على مواضيع راهنة وذات أهمية بالغة، على غرار الذكاء الاصطناعي. وخلص الأكاديمي ذاته إلى أن البحث العلمي الحصيف يقتضي التوليف بين مختلف التخصصات، وردم الهوة بينها، وجني ثمار الرقمنة، لما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

 

 

ومهما يكن من أمر فإن ألعاب الفيديو ليست هوسا لا يرجى برؤه إذن، ولا متنفسا للمتعلق بها يستعيض بها عما سواها، فترى “مدمنها”، سواء أكان طفلا أم راشدا، يقضي الساعات الطوال أمام كمبيوتره أو شاشته الإلكترونية، أو حتى هاتفه المحمول، مقارعا عدوا مفترضا في ساحة وغى، أو مهادنا صديقا يتخذ عضدا ولو ارتسم البعد الجغرافي حائلا.

 

هي تطبيقات ومشغلات مبرمجة يبدو أنها استحالت اليوم “لمة عائلية افتراضية”، تربط بين أفراد موزعين على المعمورة، لا ينضبطون لعقارب الساعة قط، بقدر ما يستجيبون “لداعي اللعب” وحده، متى صدح. وعلى عكس النظرة السائدة عن ألعاب الفيديو والأضرار التي قد تلحق بمستخدميها تاركة آثارا سلبية على الصحة النفسية والعقلية والبدنية، كشفت دراسات علمية جانبا آخر إيجابيا لألعاب الفيديو، يشتمل على فوائد كبيرة لصحة مستخدمها النفسية والعقلية والبدنية.

 

وتحسن ألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد الإدراك والذاكرة، كما تحفز المرونة العصبية وتحسن وظيفة ومهام الذاكرة، طبقا لدراسة أجرتها “جورنال أوف نيورسينس”. كما تشير الدراسات إلى أهمية ألعاب الفيديو لتوفير العلاج الطبيعي والنفسي وتحسين الإدارة الذاتية للأمراض والتثقيف الصحي والإلهاء عن الانزعاج والإرهاق البدني. وذكرت مراجعة منهجية عام 2012، منشورة في المجلة الأميركية للطب الوقائي، أن 38 دراسة توصلت إلى أن ألعاب الفيديو أسهمت في تحسين النتائج الصحية لـ195 مريضا نفسيا وجسديا، وساعدت بشكل كبير على معالجة المرضى علاجا طبيعيا، كما زادت نشاطهم البدني.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي