توصل فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة ديوك الأميركية إلى أن نجم البحر الهش -وهو أحد الكائنات البحرية اللافقارية التي تنتمي إلى شعبة شوكيات الجلد مثل نجم البحر- يمكنه التعلم من خلال خبراته رغم أنه لا يمتلك دماغا.
ويمتلك نجم البحر الهش خمسا من الأذرع السوطية الرقيقة والمرنة بطول يصل إلى 60 سنتيمترا في بعض الأحيان، والتي تساعده في الزحف على قاع البحر لإيجاد الطعام، والذي يتكون من الحلقيات والرخويات وكذلك القشريات مثل الجمبري.
التعلّم بالربط
وبحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية "بيهيفيورال إيكولوجي آند سوسيوبيولوجي"، فإن الجهاز العصبي لهذا الكائن يتكون من حلقة عصبية رئيسية تدور حول القرص المركزي لنجم البحر الهش، وعصب واحد يمتد في كل ذراع حتى نهاية طرفه، وتمر الأعصاب في كل طرف عبر قناة مكونة من حلقات شوكية.
وليس لدى معظم أفراد هذه العائلة عيون أو أعضاء حسية متخصصة أخرى، ولكن النهايات العصبية الحساسة في أذرعها قادرة على تحقيق حاسة اللمس واستشعار المواد الكيميائية في الماء ووجود الضوء أو عدمه.
ولكن رغم ذلك، فإنه لاتزال لدى هذا الكائن إمكانية للتعلم من خلال خبراته السابقة، وبشكل خاص في إيجاد الطعام. ويرى الباحثون أن ذلك يحدث لأنه يمكن لكل من الحبال العصبية التي تمتد في أذرعه أن تعمل بشكل مستقل، بحيث يبدو الأمر كما لو أن المتحكم في قراراته هو لجنة "الأعصاب" بدلاً من الرئيس "المخ".
وبحسب الدراسة، فإن هذا النمط التشريحي يساعد نجم البحر على التعلم من خلال الارتباط، وهو أسلوب للتعلم يحدث عندما يصبح عنصران غير مرتبطين بطبيعة الحال؛ مرتبطان في أدمغتنا.
وكمثال للتوضيح: إذا وضع شخص ما يده على طبق ساخن وشعر بالألم، فقد يتعلم ربط الأطباق الساخنة بالألم، وبالتالي يتعلم ألا يضع يديه عليها مرة أخرى، أو إذا تناول شخص ما طعاما معينا ثم أصيب بالصداع بعد ذلك بوقت قصير، فقد يتعلم ربط هذا الطعام بالصداع ولا يرغب في تناوله مرة أخرى، حتى لو لم يكن الطعام يسبب الصداع.
فالتعلم بالترابط سلوك يمارسه البشر والحيوانات كذلك، ومن خلال ربط العناصر معا وإنشاء شبكة من الروابط المختلفة، تُبنى الذكريات ويُعمق فهمنا للعالم، لكن الغريب في الأمر بحسب بيان صحفي رسمي من جامعة ديوك، أن هذه هي المرة الأولى التي يرصد ذلك في كائنات من هذه الفئة ذات جهاز عصبي بهذه البساطة.
كيف عرفنا أن نجوم البحر الهشة قادرة على التعلم؟
ولمعرفة ما إذا كانت النجوم الهشة قادرة على التعلم، وضع الباحثون 16 من نجم بحر هش في خزانات مياه واستخدموا كاميرا فيديو لتسجيل سلوكها، واستمرت التجارب 10 أشهر متتالية.
بدأ العلماء بإطفاء الأضواء على فترات محددة، وفي كل مرة تنطفئ الأضواء يضع الباحثون ماصة تحتوي على قطعة من الجمبري في الحوض، وبمرور الوقت تعلمت تلك الكائنات أن إطفاء الأنوار هو جرس للحضور لتناول الطعام، فخرجت من مخبئها وبدأت في تحسس طريقها وصولا إلى الجمبري. ويشبه ذلك تجربة بافلوف الشهيرة التي ارتبط فيها الجرس مع الطعام بالنسبة للكلاب.
وحرص الباحثون كذلك على تنويع تجاربهم للتأكد من النتائج، فقاموا مثلا بتدريب نصف نجوم البحر الهشة عن طريق إطفاء الأضواء لمدة 30 دقيقة، أما النصف الآخر فحصل على القدر نفسه من الجمبري في ظروف مضاءة، ثم شهد أيضا فترة مظلمة مدتها 30 دقيقة، ولكن لم يحدث أن تعلمت الكائنات بالربط.
وفي سلسلة من التجارب الأخرى قام العلماء بتنحية عامل رائحة الجمبري عبر عمل التجارب بدون طعام، وهنا خرجت نجوم البحر الهشة أيضا من مخابئها فقط إثر خفض الأضواء.
وبحسب الدراسة، فإنه حتى بوجود فترات وصلت مدتها إلى 13 يوما بدون تدريب، ظلت نجوم البحر الهشة تتذكر دروسها، وحينما أقيمت التجربة مرة أخرى أقبلت على الطعام عند إطفاء الإضاءة.
المصدر : الجزيرة نت