عندما بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الوحشي على قطاع غزة المحاصر، عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان قد مضى نحو 20 شهراً على العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا في عمق أوكرانيا، وضمت إليها من أراضي الأخيرة التي يسميها الغرب بمحاولات الاحتلال النازية الروسية للأرض الأوكرانية، ومن خلفها أوروبا.
ومع ذلك تجاوز عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، مع الاعتداءات في الضفة الغربية خلال 27 يوماً، عدد ضحايا العدوان الروسي على أوكرانيا الذي يقترب عمره من العامين، فيما يصل عدد الضحايا من الأطفال الفلسطينيين أضعاف مضاعفة مقارنة بالضحايا من الأطفال الأوكرانيين، وكذا حجم المباني المدمرة جراء العدوان الإسرائيلي المدعوم غربيا بقيادة الولايات المتحدة، مقارنة بالهجوم الروسي المدان عالمياً.
وفي العدوان الصهيوني المتواصل على غزة يتم استهداف المستشفيات بشكل مباشر، والذي كان اخره مساء الجمعة، حيث قصفت قوات الاحتلال مستشفيات الشفاء، القدس، الإندونيسي، وسقط اثر ذلك العشرات بين شهيد وجريح، وأدت الهجمات المدمرة على القطاع إلى خروج أكثر من 44 مستشفى ومركزا صحيا عن الخدمة، في حين تحذر ما تبقى من المستشفيات خروجها عن الخدمة خلال ساعات بسبب نفاذ الوقود وانقطاع الكهرباء، ويتعمد الاحتلال في حربه على غزة استهداف المركبات المدنية وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى وناقلات النازحين، ويقوم بقصف مراكز الإيواء التي ترعاها منظمات اغاثية، وهو مالم يتم بالحرب الروسية على أوكرانيا، ولم يتم حصارها بشكل خانق كما هو الحال في غزة منذ 17 عاماً.
الضحايا
منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022 وحتى الأسبوع الماضي، أدت الهجمات الروسية التي تقول الدول الغربية إنها مروعة إلى مقتل 9900 أوكراني مدني حسب آخر تصريح لمسؤول أممي يوم الثلاثاء الماضي في جلسة لمجلس الأمن، فيما أصيب 17962 آخرين، وفقا لتقرير الأمم المتحدة.
ومن بين القتلى 560 طفلًا، و2756 امرأة، وبلغ عدد الأطفال بين المصابين 1196 طفلا، و3765 جريحة أوكرانية، حسب التقرير ذاته.
أما في قطاع غزة الذي أضاف الاحتلال على حصاره حصارًا آخر بمنع دخول الماء والكهرباء والغذاء وقطع الاتصالات والانترنت، فقد بلغت حصيلة العدوان الإسرائيلي خلال (28 يوما)، 9227 شهيدا، و23,516 جريحا، في القطاع وحده حتى ظهر الثالث من نوفمبر الجاري (اليوم الجمعة)، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية الذي أكدت أن أكثر من 2200 مدني لايزالون في عداد المفقودين.
ومن بين الشهداء 3826 طفلًا و2405 نساء، والكثير من الجرحى هم من الأطفال والنساء وكبار السن وفقا للوزارة.
وبالتأكيد أن هذه الإحصائية قد زادت خلال ساعات المساء من اليوم الجمعة، لاسيما مع التصعيد الإسرائيلي البربري تجاه أماكن وتجمعات المدنيين النازحين، التي تحتضن عشرات الآلاف.
وفي حين لا تكاد تسجل أي أعداد للضحايا في المقاطعات الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي، فإن حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بلغت 140 شهيدا، و2200 جريح، وحوجز واعتقال المئات من الفلسطينيين بشكل يومي منذ السابع من أكتوبر، وفقا للسلطة الفلسطينية.
وفيما يخص الصحفيين، قتل نحو 15 صحفيا في الحرب الروسية الأوكرانية منذ عامين، فيما وصل عدد الشهداء الصحفيين في غزة الى 46 شهيدا، واستشهد العشرات من أسر العاملين في المجال الإعلامي على تغطية الأحداث في غزاء جراء استهداف الاحتلال الصهيوني منازلهم.
المباني المدمرة
وتقول مدرسة كييف للعلوم الاقتصادية، بأن العدوان الروسي دمر 167 ألف منزل في أوكرانيا، وجاءت تركزت معظمها في مناطق دونيتسك، وكييف، ولوغانسك، وخاركيف، وميكوليف، وتشرنيهيف، وخيرسون.
ولا يمكن مقارنة حجم الدمار في قطاع غزة، بأوكرانيا، حيث أن أغلب المباني المدمرة هي أبراج وعمارات سكنية تأوي في المتوسط 30 شقة سكنية أو منزل لعائلة، أضف الى ذلك المدن والمناطق الواسعة التي يستهدفها الروس في المقاطعات الأوكرانية، في حين تبلغ مساحة غزة الإجمالية، التي تتعرض لهجوم وحشي 365 كم.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية الخميس إن الاحتلال الإسرائيلي دمر 177 ألفاً و781 وحدة سكنية، 45 بالمئة منها سوت بالأرض، وأدت سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها الاحتلال في عدوانه البري والبحري والجوي لتدمير أحياء وشوارع ومدن سكنية على رأس ساكنيه.
كما دمر العدوان الإسرائيلي 40 بالمئة من المرافق التعليمية، بينها 42 منشأة تابعة للأمم المتحدة، وطالت الاعتداءات المستشفيات التي قصف العديد منها وأدى الحصار ومنع دخول الأدوية والمشتقات النفطية لخروج أغلبها عن الخدمة.
ازدواجية المعايير
كشفت الحرب بين موسكو وكييف، أو بالأحرى بين روسيا والغرب، اللثام عن مقاصد وأهداف المجتمع الدولي وازدواجيته، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تكيل بمكيالين. فإذا تعلّق الأمر بالجنس الأوروبي، أو بالرجل الأبيض؛ الجميع يتحرك ويُدين ويُصدر عقوبات اقتصادية متصاعدة، ويدعم بني جنسه بالمال والسلاح. أما إذا تعلق الأمر بالعرب والمسلمين؛ فتلك مسألة أخرى يظهر فيها حق الفيتو في مجلس الأمن الذي يسيطر عليه ويتحكم فيه خمس دول فقط، يُسيّرون العالم كله على رغباتهم واختياراتهم، دون أدنى اعتبار لحقوق الإنسان، أو حريته وكرامته.
ومنذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الماضي، والحكومات الغربية وسائل إعلامها، يمارسون ازدواجيه فاضحة في المعايير، تكاد تصل إلى حدود النفاق والرياء: انحياز إلى إسرائيل لا يُوصف، وتبنّي أكاذيب وتلفيق أخبار زائفة مع تناقل قصص عن قتل أطفال وقطع رؤوس وذبح واغتصاب إسرائيليات.. وكل ذلك من أجل تصوير إسرائيل على أنّها ضحية مظلومة، وقعت فريسة سهلة بين أنياب الفلسطينيين "المجرمين"!
خلال الصراع في أوكرانيا، اتهمت الدول الغربية، أولاً وقبل كل شيء، موسكو بممارسة (العدوان على دولة ذات سيادة)، فضلاً عن اتهامها باحتلال وقصف مرافق البنى التحتية
هذا الانحياز، دفع بالعديد من السياسيين والصحافيين العرب والأجانب وكذلك المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى رفع شعار "إزدواجية المعايير". فأجرى العديد من بين هؤلاء مقارنات بين أسلوب تعاطي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع حالات مشابهة ومنها مثلاً الحرب في أوكرانيا والمسارعة إلى اتهام موسكو بارتكاب الجرائم والضغط من أجل إعلاء معايير حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي.. وكيف أنهم أنفسهم يغضون الطرف اليوم، عن كل الجرائم والمخالفات الإسرائيلية لتلك القوانين والمعايير في قطاع غزة.
خلال الصراع في أوكرانيا، اتهمت الدول الغربية، أولاً وقبل كل شيء، موسكو بممارسة "العدوان على دولة ذات سيادة"، فضلاً عن اتهامها باحتلال وقصف مرافق البنى التحتية، من مستشفيات ومدارس ومنشآت للطاقة ومراكز حكومية مدنية، بلا أدلة ومن أجل أجندات سياسية باتت واضحة اليوم.
بينما تستهدف إسرائيل المنشآت المدنية، وتنفّذ هجمات واسعة النطاق على البنى التحتية المدنية في غزة، وكذلك في الضفة الغربية، الخالية من حركة "حماس" التي تتحجج بها إسرائيل من أجل قتل الفلسطينيين، وهذا يدل أنّ "حماس" لم تكن سوى حجة من أجل تنفيذ ما تطمح إليه إسرائيل، وهو تهجير الفلسطينيين من غزة، والتخلّص منهم إلى الأبد.
فوق ذلك، يقوم الجيش الإسرائيلي بـ"قصف عشوائي" شامل، لا يستثني الأفران ولا المدارس ولا حتى دور العبادة من مساجد وكنائس، ومستشفيات، على مدى الأيام الماضية لاندلاع الحرب في غزة، توسعّ استخدام مصطلح "ازدواجيه المعايير"، فكانت الدوائر الروسية من بين أولى الجهات الرسمية التي نبّهت من مغبة ممارسة تلك الازدواجية.
المصدر أونلاين + الأمم المتحدة + الأناضول + تلفزيون العربي + الجزيرة نت