على مدى سنوات، ظل الحديث، ولايزال، في الأوساط الثقافية والأدبية، عن حركة النقد اليمنية، محتدمًا، بين ساخط لغيابها، ومؤيد لازدهارها، وبين رافضٍ وغير معترفٍ بوجودها أصلاً.
وما بين سندان جدل غيابها ومطرقة دخلائها، هناك من لا يزال يدافع عن مواكبتها للمشهد الأدبي، فيما آخرون يرون أنها لا تزال - أي "حركة النقد اليمنية"- متأخرة، ويعتريها الكثير من التحديات، في وقت احتدم الجدل تارة بين الناقد والناقد الآخر، وتارة بين النقاد والأدباء، ما فتح الباب على مصراعيه لتبادل الاتهامات بين النقاد، ودخلاء النقد، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة لتصفية ما تشبه الحسابات الشخصية البينية.
يتحسر ناقد أكاديمي يمني، بمنشور في صفحته على "فيسبوك"، أنه "في اليمن تنتقد أحدهم يجلس يبكي أكثر من شهر..!"، في إشارة إلى عدم تقبل بعض الأدباء للنقد، حتى وإن كان نقداً بناءً.
فهل "معظم الناس يفضلون أن يقتلهم المدح، على أن ينقذهم النقد"، بتعبير نورمان فنسنت بيل.
أما هلموت شميت، فيقول: "من لا يتقبل النقد فهو لا بد يخفي شيئًا". وهذا هو حال أدعياء النقد والأدب اليوم. ولقد ازداد الجدل ضراوة بين النقاد ودخلائه، كما أسلفنا، خلال سنوات الحرب التي تعيشها البلاد، منذ أكثر من تسع سنوات، وما قبلها، خصوصًا، وما أكثر دخلاء النقد وأدعياءه، وصفاقة أغلب من يُحسبون على الثقافة والأدب..!
فهل تراجع المشهد النقدي الأدبي، وأصبح اليمن يفتقر إلى نقاد يواكبون المشهد الأدبي، نتيجة لظروف وعوامل هذه الحرب، أم أن أسباب عدم ازدهار حركة النقد، تعود لعدم تشجيع الأنظمة القمعية؟
"يمن فويس"، إذ يفتح حصرياً ملف هذه القضية، فإنه لا يزعم أنه استطاع في هذا التحقيق الموسع، أن يضع النقاط على الحروف لواقع حركة النقد اليمنية، المتشعبة أسباب ومعوقات ازدهارها.
وهو يستضيف عددًا من النقاد والأدباء، فقد طرح عليهم السؤال التالي: "كيف ينظر الناقد والأديب اليمني إلى حركة النقد الأدبي في بلاده؟ وهل الناقد اليمني أدى دوره كما يجب في تحريك عجلة المشهد الأدبي؟ أم أن هنالك أسبابًا حالت دون ذلك؟ وما السبل الكفيلة لخلق حراك نقدي واسع أسوة بالحركات النقدية في الوطن العربي، عمومًا؟".
نشوء منابر ثقافي مهمة
الشيباني: ساهمت المنابر الأكاديمية خلال سنوات الثمانينات والتسعينات في الترويج للصوت النقدي من زاوية الدراية المنهجية
بداية يدافع الشاعر والكاتب محمد عبد الوهاب الشيباني عن مرحلة حركة النقد في السبعينيات، وتلك المرحلة المزدهرة نقداً لايختلف عليها أديبان، ولم يُجب "الشيباني" عن جزء من الشق الأهم من السؤال "ما السبل الكفيلة لخلق حراك نقدي واسع أسوةً بالحركات النقدية في الوطن العربي، عموماً؟". وقال الشيباني:"تاريخياً، بقى النقد الانطباعي والمدرسي الصحافي هو الملازم للنشاط الأدبي عموماً، وهو السائد والمعرِّف بحالة الحراك الأدبي الجديد في اليمن، وخصوصاً خلال عقد السبعينيات الضاج. تحمَّل الأدباء أنفسهم عبء المهمة، فراجت أسماء أدبية في سماء النقد، وصارت هي المعرِّفة به، وساعدها في ذلك نشوء منابر ثقافية مهمة (اليمن الجديد والحكمة والثقافة الجديدة والكلمة إلى جانب الملاحق الثقافية) التي استقطبت الكثير من الأسماء في الشمال والجنوب للكتابة فيها، فكان أن بدأ تيار الحداثة الشعرية في تقديم نفسه شعراً ونقداً بطرق غير مألوفة.
متلازمة الأديب الناقد وعلى وجه الخصوص (الشاعر الناقد) كانت هي عنوان تجلي النقد في هذه المنابر، فكان عبدالله البردوني، وعبد العزيز المقالح، وعبدالله سلام ناجي، وعبد الودود سيف، وعبد الرحمن فخري، وعبد الله علوان، إلى جانب أبوبكر السقاف، وعمر الجاوي، وعبد الباري طاهر، وفيصل الصوفي، وحسن أوسان، وزكي بركات، وعبد الرحمن حسن الأهدل، وغيرهم.
ولم تقف تنظيراتهم ومقارباتهم على موضوعات الشعر، بل تجاوزتها إلى قضايا السرد، فكتبوا عن الرواية والقصص والمسرحيات والحكايات الشعبية والفنون الأخرى.
ساهمت المنابر الأكاديمية خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات في الترويج للصوت النقدي، من زاوية الدراية المنهجية، غير أن أغلب الأسماء التبشيرية تلك امتصتها قاعات الدروس، واتكأت على إرثها المدوّن في الأطاريح والرسائل وبحوث الترقية، ولم تتجاوزها إلا قليلاً، لهذا كثيراً ما كانت تظهر شكوى من عدم مواكبة النقد للإنتاج الأدبي، وعدم التفاتته للتجارب الشابة. وانطلقت تلك الشكاوى والتذمّرات، من قلة المكتوب النقدي قياساً بالإنتاج الإبداعي المتكاثر، وهي اللازمة التي لم تزل حاضرة إلى اليوم".
يضيف الشيباني :"ظهور ورواج مدرسة النقد الثقافي أتاح للكثير من المشتغلين في حقول الكتابة الخوض في غمارات متشعّبة، أنتجت بدورها أسئلةً حيوية عن ماهية النقد ووظائفه، وهل هو (نبش وإبراز جوانب الجمال والإبداع في النصوص) من خلال المتابعات السيَّارة السريعة، أم أن له وظيفة أخرى وبطيئة تخوض في قضايا المرجعيات وتأثير البيئة والحواضن الثقافية على النصوص والكتاب".
تناول المشكلات السياسية
الشجاع: لم يستطع الناقد اليمني أن يطور قدراته النظرية في مجال الكتابة الأدبية والإجتماعية والفكرية ولم يتعامل مع النقد من منطلق التفكير النقدي ضمن السياق الكلي للوجود الإنساني
الأكاديمي وأستاذ الأدب والنقد بجامعة صنعاء، الدكتور عادل الشجاع، جاءت جزءاً من ردوده متقاربة مع آراء الأستاذ محمد الشيباني.
وقال: "بالرغم من ظهور بعض المؤسسات النقدية ك-"الناقد العربي" و"جمعية النقد الأدبي والثقافي" و"نادي القصة" ومجلة "اليمن الجديد" و"الثقافة الجديدة" ومجلة "دراسات يمنية" ومجلة "صيف" و"رؤى" و"دروب"، إضافة إلى الملحق الثقافي في صحيفة "الثورة" وملحق "الجمهورية" الثقافي الذي تحوّل إلى "الثقافية"، إلا أن النقد اليمني ما زال متأخرًا عن الحركة النقدية في الوطن العربي، ولم تصل بعد المناهج النقدية إلى اليمن إلا في مطلع الألفية الثالثة".
وأضاف: "حينما كنتُ في مرحلة الدكتوراه سمح لي تواجدي في مصر والحراك النقدي هناك أن ألتقي كبار أساتذة النقد الأدبي والثقافي في الوطن العربي والعالم وإجراء حوارات معهم ونقلها إلى المتلقي اليمني عبر صحيفة "الثقافية" التي كانت تُصدر عن مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر في تعز".
وأشار الشجاع إلى أنه "في البلدان الأخرى ساعد النقد على إطلاق العديد من استراتيجيات الخطابات الجديدة وكذلك أساليب التحليل الجديدة وأجرى مراجعات وإعادة تأويل للتاريخ والتراث، وهذا لم يحصل في اليمن، نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها: ضعف الممارسة الفكرية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهناك فقر في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، وهي دراسات مهمة، لأنها تمثل الوساطة وتؤشر لتحولات العلاقات ذات الطبيعة المركبة".
واستطرد: "لم يستطع الناقد اليمني أن يطوّر قدراته النظرية في مجال الكتابة الأدبية والاجتماعية والفكرية، ولم يتعامل مع النقد من منطلق التفكير النقدي ضمن السياق الكلي للوجود الإنساني، ولم يتعامل مع النقد على أنه خطابٌ معرفيٌّ متخصصٌ وفكري منفتحُ على المعرفة الإنسانية بشتى صورها، كما أن الأدب نفسه كان فقيراً إلى حد كبير، إلا ماندر منه، فلم يتعامل هذا الأدب مع الوجود على أنه مغامرة وجودية تسعى إلى فهم الشروط الإنسانية في أبعادها الذاتية والاجتماعية والفلسفية، بل تعامل مع الوجود على أنه مجرد لعب بالكلمات".
واعترف الشجاع بأن النقد لايزال بعيداً عن الساحة الثقافية ومتأخراً "ولا يواكب ما يحدث من تغيرات، وهذا جعله قاصراً عن إعطاء هذه التغيرات حقها. وحتى مازال الناقد في اليمن يتعامل مع النصوص ويهمل الواقع، من هذا المنطلق أصبح النقد مجرد احتفاء ومجاملات وثناء على بعضنا البعض، وهذا خلق حساسية مفرطة جعلتهم لا يتحملون النقد، وانعدم الحوار ونُفي الآخر ، وطالما غاب النقد الثقافي والاجتماعي والسياسي، صار من غير المعقول أن يكتب الناقد عن جمال النص بينما المذابح في كل شبر من اليمن".
وتابع : ما هو قائم اليوم، قراءات عن جمال الشعر والسرد، وانعزل الناقد في برج عاجيّ يتفرج على تيار الحياة وهي تجري أمامه ولم ينشغل بقضايا وطنه وشعبه ومصير مجتمعه، والإسهام في تطوير المجتمع وتغييره نحو الأفضل.
وأنا أقول دائمّا: إن النقد هو العلاج الحقيقي لأمراض المجتمعات، فحينما يغيب الناقد تتخبط الثقافة وتتوه النصوص.
ولا يفوتنا الحديث عن غياب المؤسسات النقدية التي تصنع الناقد وتصقل أدواته ومناهجه.
فالمؤسسات التي ذكرتها ولدت وماتت بشكل سريع ولم يتبقَ سوى الباحث الجامعي الذي ليس بالضرورة أن يكون ناقداً، لأن الناقد كما قلنا بالإضافة إلى شرط المعرفة المتخصصة بالنظريات والمناهج التي يحصل عليها بالدراسة يحتاج في الوقت نفسه إلى ثقافة أدبية واجتماعية، لكي تمكنه من قراءة النصوص. فالشهادة الجامعية هي تقييم لاختبار ومدى تمثُّل الباحث للمنهج وقدرته على فهم التكوين النظري، لذلك جامعاتنا لم تسهم في دعم حركة النقد".
وعن كيفية خلق حراك نقدي أسوة بالحركات النقدية العربية، قال د. الشجاع: "لكي نخلق حراكاً نقدياً ينبغي النظر إلى المأزق الذي تتخبط فيه الثقافة بشكل عام بنظرة شمولية، فهذا التشظي يعود إلى أزمة الناقد الذي لم يجرؤ على تناول المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي خيّمت على المجتمع اليمني. ولذلك، يظل الناقد يتناول ما مات من القضايا ويهمل المشكلات الحية التي تعطّل حياته، ويقترب من النصوص أكثر مما يقترب من الثقافة التي هي البوصلة التي توجه تفكيره سلباً أو إيجاباً.
غاب النقد عن الهموم اليومية، كالعدالة الاجتماعية والشر الذي يملأ الحياة اليومية والآلام البشرية، وغاب عن كل ما هو نبيل وسوي، فلم يلتزم بالهم الوطني وغيَّب الهوية الوطنية الكبرى لصالح الهويات الصغيرة، مما خلق ضموراً في الجانب الإنساني، لم يرفع الناقد يده محتجاً، وبذلك تخلى عن دوره الحقيقي في إثارة الأسئلة الحقيقية للثقافة والأدب، فغاب الأفق المعرفي. ظل النقد في أغلبه أدبياً ولم يقترب من النقد الثقافي، لذلك لم يقتحم الإشكالات والمناطق الخطرة ولم يقترب من صراع القوة ومشاريع التفكير بالتحرير وتفكيك الهويات الصغيرة لصالح الهوية الكبرى. فالنقد في نهاية المطاف هو تفكيك بهدف إعادة البناء".
ضعف وانهيار التعليم
السلامي: النقد الأدبي مزيج من العلم والفكر والتفلسف والإبداع وليس صحيحاً أن وظيفته الوحيدة تحريك عجلة المشهد الأدبي
الشاعر أحمد السلامي، قال بدوره: "يسري على النقد الأدبي ما يسري على غيره من العلوم والفنون التي يتطلب ازدهارها بيئة اجتماعية وسياسية وثقافية حاضنة. فالنقد الأدبي مزيجٌ من العلم والفكر والتفلسف والإبداع، وليس صحيحاً أن وظيفته الوحيدة تحريك عجلة المشهد الأدبي، لأن الإبداع كما يقال سابق للنقد، وولادة النصوص الإبداعية وازدهار الفنون عامةً تعد في مجتمعاتنا المنهارة حالة من الترف، وهذا الترف لا ينتعش إلا في أجواء من الاستقرار الشامل، حيث يتحول استهلاك وإنتاج الفنون إلى مجال من المجالات الحية والنشيطة".
وأضاف "السلامي" : "عندما يغيب النقد الأدبي أو يضعف مستواه أو يقل إنتاجه فإن ذلك ليس دليلًا على تكاسل النقاد، بقدر ما يؤشر إلى غياب كثيف لأمور عديدة، وهو غياب يشمل ضعف وانهيار التعليم وانعدام المجلات والصحف والمنابر والمؤسسات الثقافية، كنتيجة لتبدُّل أولويات المجتمع واقتصارها على البحث عن الأمان والاكتفاء والانحناء لعواصف الحروب والانهيارات التي تعصف بواقعهم.
أضف إلى ما سبق أن عقود ما بعد الثورة ضد الإمامة في شمال اليمن، وعقود ما بعد رحيل الاستعمار عن الجنوب، لم تؤسس للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلا لفترات محدودة، شهدنا خلالها ازدهار المسرح والفن والألحان والشعر والسرد والنقد والجدل في الشأن العام".
وقال السلامي: "صحيح أن أجيالاً جديدة من الشباب الذين كبروا في ظل أزمات اليمن الحادة بدأوا بالتعايش مع الواقع وبدأ إنتاجهم يفرض نفسه وخاصة في الرواية، وهذا دليل آخر على أن النص دائما يسبق النقد، وسنبقى لسنوات نشهد ازدهاراً في إنتاج النصوص بينما سيحتاج الناقد إلى فترة للحاق بالإبداع، يتأمل خلالها ما الذي يدور وما إذا كانت موجة عابرة أم ستستمر. وكلنا ننتظر أن يتعافى اليمن وأن تعود السياسة ولغة العقل والجدل المثمر إلى الواجهة بدلاً من السطوة التي يتمتع بها الآن التخلف والجهل والعنف".
الرعاية للأنشطة الأدبية
عزعزي: الكتابات النقدية والتناولات التي تنشر في بعض مواقع التواصل الإجتماعي على الإنترنت، محدودة ومجتزاءة ومبتسرة أحياناً
الشاعر سلطان عزعزي، يرى أن "النقد الأدبي جزء من المشهد والحراك الثقافي والابداعي بمجمله.. ولاشك أنه يتأثر سلباً وايجاباً بهذا المشهد تقدماً وتراجعاً يعيش ازدهاره وانحساره. وبالنظر للحراك الأدبي والثقافي القائم، فالملاحظ أن هناك حالة من الركود النسبي، نظراً لتراجع الدور المؤسسي والفعاليات والمنتديات الثقافية والإبداعية في ظل الوضع العام الذي تشهده بلادنا والمتمثل في الواقع السياسي وما يعيشه من انقسام وحروب وتشظيات سياسية وجهوية وتخندقات وما تمر به البلاد من حصار وعدوان خارجي ونزاعات داخلية.. وهذا بدوره في اعتقادي ألقى بظلاله وأثر على كل المناشط الثقافية والأدبية والإبداعية، وإذا كان ثمة حالات ومواكبة نقدية وأنشطة إبداعية وإصدارات أدبية قائمة، فهي في تقديرنا تظل محدودة ولاترقى إلى مستوى الطموح الذي ينشده المشهد الإبداعي ..لا سيما وأهم المؤسسات والمنابر الأدبية والإبداعية والفكرية قد أغلقت أبوابها وبعضها أوقفت نشاطها والتي كانت تساهم إلى حد كبير في بث وتنشيط المشهد الأدبي برمته مثل اتحاد الأدباء، ومؤسسة السعيد الثقافية، ومؤسسة العفيف، ومؤسسة عبادي، وعدد من الملاحق الثقافية في الصحف والمجلات والدوريات ... إلخ.
كما أن هذا بدوره أثَّر على دور الناقد وتفاعله وإسهاماته وغياب المحفز والرعاية للأنشطة الأدبية والحقوق الفكرية والمادية لاسيما أن الناقد لا يعيش في جزيرة معزولة ويعاني من الوضع العام وغياب الإسناد له مادياً ومعنوياً".
وأضاف عزعزي: "صحيح أن هناك بعض الكتابات النقدية والتناولات التي تنشر في بعض مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لكنها محدودة ومجزأة ومبتسرة أحياناً، ولا تفي بالحاجة ولا تشبع العمل ما يستحق من التوقف والاهتمام. وهذا كله في تقديري وضع مؤقت وعابر مقارنة بما نشهده من حراك وتفاعل أدبي ونقدي في أكثر من قطر عربي ،لاسيما الحراك النشط في المشهد المغربي".
منح الناقد ظروف ملائمة
الصلوي: منح الناقد ظروف ملائمة ليتمكن من إثراء النقد ومواكبة النقاد في أي بلد فاليمني ليس عاجزاً أو أنه لا يمتلك المؤهلات أو تنقصه الخبرة
الدكتور هاني جازم الصلوي، رئيس مؤسسة أروقة للدراسات في القاهرة، اعترف هو الآخر بوجود معوقات كثيرة أمام النقد الأدبي في اليمن"مرتبطة بواقعنا المأزوم".
وقال إن "الوضع الذي يعيشه الناقد أيًا كانت درجته وشهادته مؤلم جداً. فلا توجد ظروف ملائمة لأي ناقد تمنحه الحرية في التفرغ للنقد والغوص في بحوره.
وحين نقارن بين الناقد في اليمن والناقد في أي بلد، يجب أن ننظر أولاً للوضع الذي يعيشه الناقد في اليمن والبلدان الأخرى، ولذا لم يستطع أو يتمكن الناقد أن يحقق دوره في إثراء المشهد".
وعن السبل الكفيلة لخلق حراك نقدي واسع أسوة بالحركات النقدية في الوطن العربي، عموماً، قال الصلوي: " إنه من الضرورة منح الناقد ظروفًا ملائمة ليتمكن من إثراء النقد ومواكبة النقاد في أي بلد، فاليمني ليس عاجزاً أو لا يمتلك المؤهلات أو تنقصه الخبرة بقدر ما أجبره الوضع على ترك مجاله والبحث عمّا يساعده على العيش وإن كان في غير تخصصه أو مجاله.
كما أن النقد في اليمن لايحصل على الاهتمام والدعم كي يتمكن الشخص من إثراء المشهد. ولضعف الثقافة في خلق جو ملائم من قبل الجميع خصوصاً من نعتبرهم نخبة المجتمع لتقبل النقد دور كبير في تأخر النقد، وهذا يعتبر من الأسباب والعوائق التي تجعل الناقد ينأى بنفسه بعيداً عن النقد".
انتشار الكتب والتعريف بالإبداعات
حسن: هناك كُتاب ونُقاد يمارسون كتابات نقدية لكن بشكل عام لم تتبلور حركة نقد، والسبب يعود إلى أن المشهد الأدبي في اليمن لا يتمتع بالنشاط والحركة
جمال حسن، صحافي وروائي، جاءت إجابته شبه خجولة ومقتضبة، إذ قال إنه لا يستطيع القول إن هناك حركة نقد أدبية في اليمن، "لديها من التأثير في المشهد الأدبي.. هناك كُتاب ونُقاد، يمارسون كتابات نقدية، لكن بشكل عام لم تتبلور حركة نقد. والسبب يعود من وجهة نظري إلى أن المشهد الأدبي في اليمن لا يتمتع بالنشاط والحركة، رغم أن عملية الإنتاج الأدبي نشطت إلى حد كبير من حيث الكم، وأقصد الإصدارات الأدبية من شعر ورواية، لكن الواقع يزهد بوجود نشاط أدبي، وهذا النشاط يجب أن يقابله حركة نشر وقراء".
وأضاف حسن: "عملياً، تنشط حركة النقد في وجود نشاط أدبي وانتاجات مستمرة، وتأثير عملية النقد على انتشار الكتب والتعريف بالإبداعات. وهناك أيضاً، جانب مازال بعيداً عن التبلور في المشهد اليمني".
وأشار حسن إلى حقيقة أنه ليس مطلعاً بما يكفي على المشهد النقدي، لكنه نوه إلى أن "هناك خلق حراك نقدي مرتبط بشكل عام بوجود حراك أدبي واسع، ووجود حركة نشر، وتفاعل من القراء".
المشهد الثقافي والأدبي متواضعاً
سيف: كون المشهد الثقافي والأدبى متواضع النمو والحركة، وهذا التواضع بالضرورة يحتاج إلى ترصينة بالمعاير الفذة
الشاعر جازم سيف، يقول: إن "هناك غيابًا لفكرة النقد باتجاهاته ومفاعيله وبنى اشتغالاته الفكرية، والثقافية، الأهم غياب الرؤى الفلسفية " النزعات - التيارات - المناهج - المدارس .." هذا الغياب هو في الأصل جزء من غياب بنيوي عام وشامل".
وأضاف جازم: "كون المشهد الثقافي والأدبى متواضع النمو والحركة..يأخذ النقد سمة هذا التواضع بالضرورة، فيما يحتاج إلى ترصينه بالمعايير الفذة، أبرزها: المعايير البحثية تلك التي تحول النتاجات الثقافية إلى حقول وبيئات حرث ومعاينة واشتغالات موازية حديثة ومعاصرة.. فالنقد أيضاً في توصيفات عدة إبداع يوحى ويشي بالإبداع".
المقارنة صارت الآن مهزوزة
قاسم: الشرط الأساسي لوجود حياة أدبية هو وجود حياة إنسانية رحبة تقبل الاختلاف كثقافة وهذا ليس متوفراً في الوقت الحالي
أما المترجم والباحث نبيل قاسم، فقال: "عند الحديث عن النقد الأدبي لابد أن يكون هناك حركة ثقافية مصحوبة بحركة إبداع أدبية.. وهنا يأتي دور النقد الأدبي، كل ما هنالك أننا نقارن اليمن بمجتمعات أخرى كان التعليم حاضراً فيها منذ وقت مبكر، فحضر فيها النشر والإبداع في وقت مبكر، وبالضرورة حضر النقد كتابع وليس كمحفز".
وتحدث قاسم عن "أهم العوائق، في أن الثقافي يتبع السياسي والأيديولوجي ويصبح النقد مؤيداً أو معارضاً وليس قارئاً، بل يتحول إلى مجموعة أحكام بعضها أخلاقي".
ويعتقد قاسم، أن الشرط الأساسي لوجود حياة أدبية هو وجود حياة إنسانية رحبة تقبل الاختلاف كثقافة وهذا ليس متوفراً في الوقت الحالي، ليس عندنا فحسب، بل وفي الكثير من البلدان العربية أيضاً. وحتى المقارنة صارت الآن مهزوزة الأركان، لذلك، لكل إنسان الحق في القراءة والنقد خاصة إذا كان القارئ واعياً منتجاً معيداً لكتابة وتأويل النص، فالناقد المتخصص ليس كالطبيب المتخصص، عالم الكتابة والإبداع أكثر رحابة، وكما يحق للجميع أن يكتب وينشر يحق للجميع أن يدخل عالم النقد حتى لو قدموا ملاحظات عابرة، كل ومستوى وعيه".
الناقد شَغَلَتْهُ هموم الحرب
الفقيه: أي محاولة نقدية لا تغطي المشهد العام أو لا تستند على تكوين صورة عامة تعتبر ناقصة ولا تخدم تطور المشهد في اليمن
الشاعر عبد الحكيم الفقيه، قال: إن "الحقيقة لا إبداع بدون نقد ولا نقد دون إبداع، فعلاقتهما جدلية كل يؤثر في الآخر ويعد النقد خلقاً ثانياً للإبداع ورسم معالم في طريق المبدعين".
وأضاف الفقيه: "منذ اندلاع الحرب الداخلية والتي عقبتها الحرب الخارجية تعطلت معظم الأشياء في اليمن بما في ذلك عملية التثاقف والنقد الأدبي في اليمن إلا من بعض النقد الإلكتروني الشحيح والقائم على العلاقات الشخصية والمزاج أو التكتل الشكلي والانحيازات الحزبية أو الفئوية أو اللوبيات وما أكثرها في الوسط الأدبي، ومع هذا يظل الناقد الموضوعي معذوراً، فالناقد اليمني شغلته هموم الحرب وتوفير متطلبات الحياة حيث لم يستقر منذ اندلاع الحرب، فهو إما نازح أو هاجرٍ للقراءة والكتابة، والنقد الظاهر للعلن لا يعتبر نقداً شاملاً وإنما محاولات للتشبث بالبقاء".
واعتبر الفقيه أن"أي محاولة نقدية لا تغطي المشهد العام أو لا تستند على تكوين صورة عامة تعتبر ناقصة ولا تخدم تطور المشهد في اليمن".
مستطرداً: "لم نصل فعلاً لمستوى النقد في البلدان الأخرى بسبب الحرب وبسبب غياب التراكم و بسبب توقف الصحف والمجلات وانحراف الجامعات، حيث أصبحت مهمتها الترويج لقطبي الحرب، وعلينا ألا نيأس .. لنتفاءل بأنه قريب ستضع الحرب أوزارها وحتماً سيأخذ الإبداع حقه من النقد الموضوعي وتنتهي عمليات الشللية واللوبيات وكل شيء يعود لمجراه الطبيعي ويأخذ الإبداع ونقده حقهما في التموضع كأهم منشطين من مناشط الثقافة".
وتابع الفقيه: "ورغم مثالب النقد راهناً فليشكر على كل حال ويا حبذا لو يتم استغلال الفضاء الإلكتروني وتنظيم جلسات نقدية إلكترونية أسبوعية تتناول على الأقل الإصدارات اليمنية أولاً بأول، وياحبذا استغلال كثرة القنوات الفضائية اليمنية لتنظيم برنامج أسبوعي في أكثر من قناة تليفزيونية يستضاف فيها مبدعون ونقاد بدلاً عن هرطقات تجار الحروب ودعاة الضغينة".
تبادل الخبرات والثقافات
شمسان: ضرورة توفير الدعم المالي والمعنوي للمؤسسات الثقافية والأكاديمية والمجلات الأدبية لتعزيز الأبحاث النقدية ونشر الأعمال الأدبية ذات الجودة والأهمية الإبداعية
الناقد هشام شمسان، قال: إن "حركة النقد الأدبي في اليمن، وفي راهنها الزمني، متأثرة بكثير من العوامل الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، مما يحدّ من تأثيرها المطلوب في تحريك عجلة المشهد الأدبي".
وأشار شمسان إلى أهم تلك العوامل "قلة الموارد المتاحة للنقاد، وقلة الدعم المؤسساتي، والتمويل، وضعف البنية التحتية الثقافية، والتعليمية.. ولكن هذا لا ينفي أن النقد لعب في فترات مختلفة، ومتفاوتة من الأجيال (خصوصاً جيل التسعينيات) دوراً تثويرياًّ في تطوير المشهد الأدبي في اليمن، وحفّز الكثير من الشعراء، وكُتّاب القصة والرواية على تقديم أعمال متميزة، فأسهم إلى حد كبير في تشكيل الوعي الثقافي، وتوجيه الأدب نحو مسارات جديدة ومبتكرة".
وأضاف شمسان: "وعلى الرغم من التحديات الحالية التي تواجهها الحركة النقدية في اليمن، مثل قلة الموارد، وتداخل الاهتمامات والتحديات السياسية، والاقتصادية، فإن النقد يحاول ما استطاع أن ينهض، ويعيد بعضاً مما فقده، في ظل ظروف صعبة، ومعقدة، ومتداخلة سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا".
ولتعزيز حركة النقد الأدبي في اليمن، يرى "شمسان": أنه يجب خلق حراك نقدي نشط، يعيد إليه نضارته فلابد من خطوات أهمها:
- تعزيز الوعي الأدبي، والتثقيف النقدي في المجتمع، وتفعيل ثقافته عبر التدريس، والتعليم الأدبي في المدارس، والجامعات، وتشجيع الاهتمام بالنقد الأدبي كجزء من المناهج التعليمية.
- ضرورة توفير الدعم المالي والمعنوي للمؤسسات الثقافية والأكاديمية، والمجلات الأدبية، لتعزيز الأبحاث النقدية، ونشر الأعمال الأدبية ذات الجودة، والأهمية الإبداعية.
- توفير منصات أدبية للنقاش الأدبي، بإنشاء فضاءات للنقاش والحوار الأدبي، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في الأماكن العامة، حيث يمكن للنقاد، والكتاب والقراء التفاعل، وتبادل الآراء، والأفكار.
- التواصل والتعاون مع النقاد والمثقفين من الوطن العربي ، مما يسهم في تبادل الخبرات والثقافات وتعزيز الحراك النقدي على المستوى الإقليمي.
- تشجيع الشباب من الكتاب، والنقاد، وتوفير المنصات اللازمة لعرض أعمالهم وتطوير مهاراتهم الكتابية النقدية.
- تعزيز حرية التعبير، والتفكير النقدي، لتعزيز الحوار الثقافي، وتفعيل العجلة الأدبية في اليمن .
واختتم شمسان حديثه بأنه "وكل ما سبق يتطلب خلق حراك نقدي واسع بمجهودات مشتركة من الكتاب، والنقاد، والمثقفين، والمؤسسات الثقافية، والجهات الحكومية".