الرئيسية > محليات > في عالم الاقتصاد.. كيف تؤثر سياسات رفع الفائدة على اقتصادك الشخصي؟!

في عالم الاقتصاد.. كيف تؤثر سياسات رفع الفائدة على اقتصادك الشخصي؟!

" class="main-news-image img

 

تخوض معظم دول العالم معركة كبيرة ضد معدلات التضخم التي أسهمت تداعيات الحرب في أوكرانيا في تفاقمها، وذلك عن طريق اتخاذ غالبية البنوك المركزية قرارات برفع أسعار الفائدة منذ العام الماضي وضمن سياسة التشديد النقدي لكبح جماح التضخم.

 

 

 

وفيما تثار تساؤلات على نطاق واسع حول الموعد المناسب لانتهاء سياسة التشديد النقدي من قبل البنوك المركزية الرئيسية، مع تباطؤ معدلات التضخم في بعض البلدان، لا يبدو ذلك قريباً في دول أخرى، بما لذلك من انعكاسات ملحوظة ليس فقط بشكل نظري على المؤشرات الاقتصادية العامة، إنما تأثيرات ملموسة أيضاً وبشكل مباشر على الأوضاع المعيشية وحياة المواطن العادي.

 

يتأثر الناس في مختلف المجتمعات بشكل مباشر بالسياسات النقدية والمالية التي تتبعها الحكومات، لا سيما لجهة تداعيات تلك السياسات على قراراتهم المالية واقتصادهم الشخصي.. فكيف يحدث ذلك؟

 

في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" وبالتوازي مع اللغط الدائر حول الموعد المناسب لوقف دورة التشديد النقدي، يقدم محللان مختصان أبرز العوامل التي تؤثر من خلالها سياسات الفائدة على الاقتصاد الشخصي للأفراد، ويُمكن إيجازها بداية فيما يلي:

 

الاقتراض والتمويل الشخصي: عندما ترتفع أو تنخفض أسعار الفائدة تتأثر أسعار الاقتراض. ومع ارتفاع الفائدة تصبح استدانة الأفراد أكثر تكلفة، وبما يؤثر على القروض الشخصية.

 

الادخار والاستثمار: تؤثر أيضاً أسعار الفائدة على معدلات العائد على الودائع والادخار. وعادةً ما يزيد انخفاض أسعار الفائدة من تحفيز الأفراد للاستثمار في أصول مثل الأسهم والسندات، نظراً لأن العائد على الادخار التقليدي يكون منخفضاً.

 

الاستهلاك: تؤثر معدلات الفائدة على سلوك الاستهلاك للأفراد، فعندما ترتفع أسعار الفائدة قد يقلل ذلك من الإنفاق، الأمر الذي يؤثر سلباً على الاقتصاد.

 

الرهن العقاري: تتأثر أسعار العقارات أيضاً بمعدلات الفائدة، فارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يضغط على الطلب ويؤدي إلى تباطؤ نمو أسعار العقارات.

 

قروض الشركات وفرص العمل: تؤثر معدلات الفائدة على الاقتصاد الكلي، وبالتالي على فرص العمل. ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤثر سلباً على قدرة الشركات على الاستدانة لتوسيع أعمالها أو توظيف المزيد من العمال.

 

التقاعد والاستثمار الطويل الأجل: ارتفاع معدلات الفائدة يمكن أن يزيد من العائد على الاستثمارات الآمنة مثل السندات، بما يفيد الأفراد الذين يعتمدون على هذه الاستثمارات لتحقيق دخل تقاعدي.

 

التضخم والقوة الشرائية: ارتفاع معدلات الفائدة يقلل من الإنفاق ويسهم في تقليل معدلات التضخم والقوة الشرائية للأفراد.

 

الديون والسيولة المالية: سياسات الفائدة تؤثر على تكلفة الديون الشخصية، مثل بطاقات الائتمان والقروض الشخصية، على النحو المذكور.

 

سوق العمل والأجور: ارتفاع معدلات الفائدة قد يقلل من النمو الاقتصادي وبالتالي يمكن أن يؤثر على سوق العمل والتوظيف.

 

إجراءات احترازية

 

في إطار ما سبق، أوضح استاذ الاقتصاد مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، أن رفع أسعار الفائدة يعد إجراءً احترازياً تتبعه أية دولة لكبح جماح التضخم، وهو ما يعرف بـ "السياسة الانكماشية"، لافتاً إلى أن الغرض الأساسي من تلك السياسة إغراء الأفراد بأن يكون معدل ادخارهم يكون أكبر من معدل استهلاكهم، وبالتالي تستطيع تلك الدول التقليل من التضخم.

 

وأشار مستشار البنك الدولي السابق خلال حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن نهج رفع الفائدة اتخذته غالبية الدول على رأسها الولايات المتحدة الأميركية والكثير من الدول الأوروبية، منذ العام الماضي، كمحاولة لكبح جماح التضخم، وكذلك لتلاشي أزمة الأموال الساخنة وخروجها من الدولة والحفاظ عليها.

 

وأضاف عنبر أن العالم يعاني أزمة ارتفاع بالأسعار لكن أسباب ذلك كثيرة ومختلفة، فقد تكون بسبب عوامل لها علاقة بزيادة الطلب أو ارتفاع تكلفة السلع أو التضخم المستورد أو هبوط سعر العملة، لافتاً إلى أن السياسة الانكماشية الخاصة برفع أسعار الفائدة قد تصلح إذا ما كان السبب الرئيسي للتضخم هو ارتفاع الطلب لكن الموجة التضخمية التي تجتاح العالم حالياً تشير إلى أن هناك حالة تضخم وركود اقتصادي، أو ما يعرف بالركود التضخمي.

 

ونوه مستشار البنك الدولي إلى أن ما وصفه بـ "التشخيص الخاطئ" من بعض الدول التي قامت برفع الفائدة نتجت عنه سيناريوهات ليس لها جدوى اقتصادية، مشيراً إلى أن الكثير من الدول التي رفعت الفائدة معدل التضخم مرتفع بها ولم تستطع كبح جماح التضخم إلى الآن.

 

وذكر أن رفع الفائدة له تأثير كبير على الأفراد بشكل مباشر، لجهة أن سعر الفائدة حينما يزداد يزيد على عمليات الإقراض والاقتراض، وبالتالي سوف يؤثر بشكل كبير على معدل الاستثمار، فزيادة تكلفة الاقتراض بسبب رفع الفائدة تثير المخاوف بين المستثمرين من التوسع في العملية الإنتاجية.

 

ويضيف: كما أن المعروض من السلع سوف يظل في معدله الثابت أو ينخفض، وهو ما يعني ارتفاع آخر بالأسعار أي أن المواطن العادي البسيط سوف يدفع تكلفة كل ذلك، يعني ذلك أيضاً أنه "لم يتأثر فقط المواطن صاحب الدخل الثابت، لكن يتأثر أيضاً المستثمر وأصحاب الدخول المتغيرة من ارتفاع الفائدة".

 

انعكاسات سلبية على المواطنين

 

من جانبه، أفاد الخبير المصرفي، الدكتور رمزي الجرم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن أية زيادة تطرأ على أسعار الفائدة عادة ما تكون لها تداعيات سلبية على الاستثمار والأسعار والإنتاج، على المستوى المجتمعي، ما يكون له انعكاسات سلبية على المواطنين بشكل مباشر.

 

وأشار إلى أن عدم قدرة الشركات الإنتاجية الحصول على أموال من البنوك من أجل إنشاء خطوط إنتاج جديدة أو حتى تطوير القائم منها، من شأنه أن يدفع أسعار السلع المُنتجة نحو الارتفاع بشكل أكثر حدة، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان مثل زيادة معدلات التضخم (والدخول في دائرة مفرغة).

 

ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك فإن صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البنوك المركزية يعتمدون على أداة سعر الفائدة وحدها لمواجهة التضخم، من خلال سحب أية كتلة نقدية في الأسواق، مستهدفين تحجيم معدلات الطلب، لتتناسب مع قدرة الجهاز الإنتاجي.

 

وذكر أن الآثار السلبية لرفع أسعار الفائدة، تظهر بوضوح على الناس، من خلال ما يلي:

 

-ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية والخدمات الضرورية.

 

-انخفاض قيمة مدخرات الأشخاص في الجهاز المصرفي، على خلفية أن رفع أسعار الفائدة يُقلل بشكل مباشر من قيمة النقود التي يمتلكها الأفراد، وبما يخلق مزيداً من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع.

 

-المدينون يستفيدون نتيجة أنهم سوف يُسددون في الأجل القصير أو الطويل ديونهم بقيمة أقل من قيمتها قبل زيادة حدة التضخم.

 

-من يمتلك أصولاً مالية أو عقارية سوف يحصل على قيمة حالية تراعي معدلات التضخم المرتفعة، وعلى عكس ذلك، سوف يقع الضرر البالغ على الدائنين، الذين يحصلون على أموالهم من المدينين بالقيمة الحالية في وقت التعاقد وقبل زيادة حدة التضخم.

 

-الأمر كذلك بالنسبة للمدخرين وحملة الأسهم والسندات.

 

ونوه إلى أن كل هذه التأثيرات تخلق مزيداً من الإشكاليات المجتمعية، ومحاولة التزاحم نحو الاستثمارات الأكثر حفاظاً على الأموال، مثل التوجه نحو العقارات، وبما قد يُنذر بفقاعة عقارية، كتلك التي حدثت في الاقتصاد الأميركي في العام 2008، أو أن يتجهوا إلى الاستثمار في الذهب، من أجل الحفاظ على أموالهم من التضخم، وهذا من شأنه أن يحرم الاقتصاد من موارد مالية مُعتبره يتم استثمارها في أدوات مالية عقيمة للمجتمع.

 

وأضاف الخبير المصرفي، أن البعض الآخر يتجه نحو شراء كميات كبيرة من العملات الأجنبية المختلفة والاحتفاظ بها لفترة من الوقت، ما يؤدي إلى زيادة الطلب عليها، وبالتالي زيادة أسعار العملات الأجنبية المختلفة أمام العملة المحلية في الاقتصادات الناشئة، الأمر الذي يخلق بدوره مشاكل عديدة، كتلك التي تواجه الاقتصاد المصري أمام الدولار على سبيل المثال.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي