الرئيسية > تقارير وحوارات > صحفيو اليمن .. كفاح مضني للبقاء شتات للبحث عن الأمان/ موقع خيوط

صحفيو اليمن .. كفاح مضني للبقاء شتات للبحث عن الأمان/ موقع خيوط

" class="main-news-image img

بعد أن أفنى سنواتٍ من عمره في العمل الصحفي الذي لم يغادر فيه غرف التحرير وأوراق الصحيفة يتفقد العناوين وسلامة النص، قذفت به الحرب إلى مطعم في القاهرة يعمل نادلًا فيه؛ الصحفي وليد عبدالواسع، الذي كان يعمل محرِّرًا لأكثر من صحيفة، وآخر منصب تولّاه كان سكرتير تحرير صحيفة "أخبار اليوم" التي انتقلت للعمل من عدن عقب سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة اليمنية صنعاء، واندلاع الحرب في اليمن عام 2015.

اضطرّ وليد للسفر إلى العاصمة المصرية، القاهرة، بعد تعرّض مقرّ الصحيفة التي كان يعمل فيها بعدن، المتخذة عاصمة مؤقتة من قبل الحكومة المعترف بها دوليًّا، للاقتحام من قبل مجاميع مسلحة، ما دفع الطاقم العامِل في الصحيفة إلى الفرار، ومنهم وليد الذي تعرّض أثناء ذلك -بحسب حديثه لـ"خيوط"- لكسر أسفل العمود الفقري، وتهشّم القدم اليمنى مع كسر في كاحلها، إضافة إلى كسر في ساق القدم اليسرى.

يؤكّد وليد أنّه يعيش حاليًّا في العاصمة المصرية القاهرة، كغيره من الصحفيين الذين شرّدتهم الحرب خارج اليمن، وأجبرتهم على خوض حياة مليئة بالمعاناة والتحديات المعيشية والنفسية.

يضيف قائلًا: "مسألة البحث عن فرصة عمل هنا تليق بك وبإنسانيتك ومكانتك صعبة، وتضطر للعيش مع أسرتك على الكفاف"، إذ دفعته الديون التي تراكمت عليه إلى العمل مدة عشر ساعات كنادل في إحدى المطاعم اليمنية في القاهرة، براتب زهيد للغاية، بحسب حديثه. 

وفي ظل نزوح ما يقارب 700 صحفي وإعلامي من صنعاء ومناطق نفوذ جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بحسب مدير التأهيل والتدريب في نقابة الصحفيين اليمنيين، نبيل الأسدي، الذي يتحدث لـ"خيوط"، عن الدور الذي قدّمته نقابة الصحفيين للمتضررين من الصحفيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية اليمنية، بسبب الحرب الدائرة في البلاد؛ بأنّ النقابة قدّمت جزءًا بسيطًا من المساعدات للمتضررين أو الذين تعرّضوا لوعكات صحية شديدة من خلال الاتحاد الدولي للصحفيين.

غير أنّها لا تمتلك الإمكانيات اللازمة، كمّا يؤكّد الأسيدي، لتقديم المساعدات المناسبة للصحفيين، فالأوضاع التي يتعرّض لها الصحفيون في اليمن، أكبر بكثير من إمكانيات النقابة.

الصمت مقابل الأمان

ليس وليد وحدَه من يعيش هذه الأوضاع المأساوية ولا يستطيع العودة إلى عمله الصحفي وزيارة أهله، بل إنّ هناك غيره كثيرين، لا سيّما الصحفيون العاملون في بعض المؤسسات الإعلامية، وأصبحوا مشرّدين بين المدن وغير قادرين على العودة إلى مناطقهم، في حين فضّل صحفيون الابتعاد عن العمل، وخوض غمار حياة شاقة للبقاء، إذ يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية. 

يقول الصحفي عبدالملك الجرموزي، سكرتير صحيفة ماتش الرياضية، التي كانت تصدر قبل العام 2015، عن مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر الحكومية في مدينة تعز، في حديثه لـ"خيوط"؛ إنّ الحرب التي تسبّبت في توقف المؤسسة والصحيفة الحكومية التي كان يعمل فيها دفعتهم لخوض مرحلة شتات وضياع، والعيش في ظروف وأوضاع معيشة صعبة.

 

الكثير من الصحفيين فقدوا أعمالهم ورواتبهم خلال الحرب، في حين كانت الانتهاكات والتضييق سيفًا مسلطًا من قبل جميع أطراف الصراع في اليمن، وهو ما دفع البعض إلى ترك العمل الصحفي، والانتقال إلى مهن أخرى شاقة ومضنية. يتابع الجرموزي بشرح معاناته: "تم إجبارنا على النزوح خارج المنطقة التي عشت فيها لأكثر من 35 عامًا مع أسرتي في تعز، بسبب أنّ منطقتنا (المستشفى العسكري، في مديرة صالة)، أصبحت بعد 2015 خطًّا ناريًّا لمواجهات بين طرفي الحرب، فخرجت باحثًا عن فرصة حياة جديدة، وفي سبيل استمرار دراسة طفلتي التي توقفت عن الدراسة مدة عام (2015/ 2016)".

كانت صنعاء هي الوجهة والمستقرّ، بحسب الجرموزي، وهناك منذ نهاية العام 2016، وحتى الآن، يخوض فيها رحلة كفاح منهكة وقاهرة، في ظل تضاؤل فرص العمل، وما توافر منها لا تخلو في الغالب من الاستغلال البشع للعاملين. 

مع كل هذه المعاناة فإنّ الجرموزي حريص على أن يحصل أولاده الثلاثة على تعليم جيد، لذلك يضطر لتحمل أي شيء من أجلهم، وهذه معركة ضارية يخوضها، معركة تسرق النوم من عينه طيلة أيام العام الدراسي، حسب تعبيره.

عزوف الصحفيين 

الكثير من الصحفيين فقدوا أعمالهم ورواتبهم خلال الحرب، في حين كانت الانتهاكات والتضييق سيفًا مسلطًا من قبل جميع أطراف الصراع في اليمن، وهو ما دفع البعض إلى ترك العمل الصحفي، والانتقال إلى مهن أخرى شاقة ومضنية.

من ضمن هؤلاء الصحفيين، الصحفي مختار البعداني، الذي بدأ العمل الصحفي كمُحِبّ للمهنة وللعمل، فكان يكتب وقتَها موضوعات من غير تفكير في العائد المادي، كان يهمه الكتابة والنشر وتناول القضايا الحساسة المهمة التي تلامس المواطن، حدّ وصفه.

ولهذا استمرّ بالكتابة حتى تلقّى ترحيبًا من بعض الصحف، أصبح يكتب تحليل دوري كرة القدم في صحيفة "14 أكتوبر" في عدن، ومن ثَمّ صحيفة "الثورة" بصنعاء، الصحيفتين الحكوميتين، إضافة إلى تنقله في مؤسسات ووسائل وصحف عديدة، لكنه فقدَ كل ذلك بعد اندلاع الحرب وأصبح يعمل في محل تجاري.

وتسبّبت الحرب الدائرة في اليمن منذُ مارس/ آذار من العام 2015، بتدهور الصحافة اليمنية إلى مستويات غير مسبوقة، وتراجع الحريات، في بلد يصنّف في أدنى مؤشر الحريات الإعلامية في العالم.

ويقع اليمن بحسب منظمة مراسلون بلا حدود (المعنية بالدفاع عن حريات الصحفيين)، في المرتبة الـ169 من أصل 180 بلدًا، على جدول التصنيف العالمي لحرية الإعلام.

وعمدت أطراف الصراع منذ ما يزيد على سبع سنوات، إلى إغلاق المؤسسات الإعلامية والصحفية المعارضة والمستقلة، وإسكات جميع الأصوات بشكل قسريّ، كما صادرت كافة مستلزماتها، والتنكيل بكافة العاملين فيها.

ويتعرض العاملون في مجال الصحافة للكثير من الانتهاكات الجسيمة من قبل أطراف النزاع بسبب أعمالهم الصحفية، والتي قد تصل في معظم الأحيان إلى التنكيل أو القتل أو الزجّ خلف القضبان، وهو ما يجعلها من أصعب بيئات العمل على المستوى العالمي.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي