الرئيسية > تقارير وحوارات > تدمير المعالم التراثية في ساحل تهامة.. وجه آخر لحرب المليشيات باليمن (تقرير خاص ليمن مونيتور)

تدمير المعالم التراثية في ساحل تهامة.. وجه آخر لحرب المليشيات باليمن (تقرير خاص ليمن مونيتور)

" class="main-news-image img

كثيرة هي الانتهاكات التي خلفتها الحرب الدائرة في اليمن وشاركت معظم أطراف الصراع في ارتكابها، وما يجري على امتداد الساحل التهامي للبلاد، هي جرائم واضحة المعالم تهدف إلى طمس الهوية اليمنية والتراث الإسلامي التاريخي في مدينة تهامة وشواهدها التاريخية الزاخرة من القلاع والقصور والمساجد.

ومنذ بداية الحرب مطلع العالم 2015, حولت جماعة الحوثي المدعومة من إيران قلعة “القماحية” في مدينة ميدي، إلى ثكنة عسكرية، حتى فجرتها قبيل سيطرة القوات الشرعية الموالية للحكومة المعترف بها دولياً، لتتحول بعد ذلك إلى ركام وأطلال شاهده على جرائمهم.

وفي أكتوبر 2018 أقدمت بعض الجماعات الدينية المتطرفة (بغطاء من قوات العمالقة المدعومة إماراتياً) على تفجير وهدم “جامع أحمد الفاز التاريخي”، بمنطقة الفازة التابعة لمديرية التحيتا جنوب الحديدة، كما تم هدم عدد من الأضرحة والمساجد التاريخية في التحيتا وحيس والفازة.

وفي 2021 قامت جماعة الحوثي بهدم “قصر السخنة التاريخي” بمديرية السخنة، كما أنها مارست سيلا من الجرائم والانتهاكات، بتحويل عدد من القلاع والحصون التاريخية على امتداد الساحل التهامي، إلى ثكنات عسكرية، كقلعة الكُرنيش التي أصبحت معتقلا لمعارضيها، وقلعة الطائف والصفارية وغليفقة، التي اتخذتها الجماعة ثكنات عسكرية، ولم يتبقى منها سوى بعض الأحجار المتناثرة.

الجهات الرسمية في المحافظة، عبر مكتب الثقافة بالمحافظة اعتبر ما “يحدث من تدمير ممنهج للمساجد والأماكن التراثية الإسلامية عملا إجراميا مرفوضاً وعير مقبول، ودعا الحكومة الشرعية وفي مقدمتها وزارة الثقافة وقيادة السلطة المحلية بالحديدة وأجهزتها الأمنية والقضائية إلى ضبط الجناة ومحاسبتهم وإثبات هيبة الدولة تجاه كل من تسول له نفسه المساس بالتراث التاريخي للبلاد.

غياب الدولة يمتلئ بنفوذ المليشيات

وفي هذا الشأن، يقول الصحفي وديع عطا المنحدر من مناطق تهامة الساحلية اليمن، إن “ما يحدث للمعالم التاريخية والتراثية جنوب الحديدة، يعكس مدى ضرورة وحاجة هذه المناطق لتواجد الدولة بشكل حقيقي وجاد”.

وأضاف في تصريح لـ”يمن مونيتور”، أن الفراغ الذي تركته الدولة، ملأته المليشيات التي فرضت سلطتها ونفوذها في هذه المناطق قوة السلاح، وأصبح القرار الأول والأخير لقيادات هذه الألوية التي تسيطر على هذه المناطق، ومن حين لآخر يتم هدم وتدمير معالم ذات عمق تاريخي يعود لمئات السنين”.

ومضى في حديثه قائلاً: “من المؤسف جدا هذه المعالم تتعرض لهذا التدمير في ظل وجود عضو مجلس القيادة الرئاسي، طارق صالح، وكثير من الإعلاميين التابعين له، يتفرجون على هذه الآثار تُدمر، ولا ينطقون بحرف واحد، وهذا ما يثير الاستياء أكثر”.

وتابع: “هذه الجرائم تجعلنا اليوم نلتمس العذر لبعض أبناء زبيد، الذين يخافون من تحرير منطقتهم، لأنها تحتوي على مئات الأضرحة والآثار ذات البعد الديني والثقافي”.

جماعة متشددة على عداء مع المساجد الأثرية

في يوم الثامن من يوليو/ تموز 2022م، تسلل متشددون إلى قرية القطابا التابعة لمديرية الخوخة، جنوب غرب محافظة الحديدة (غربي اليمن)، في ساعة متأخرة من الليل، وأقدموا على هدم مسجد النور التاريخي وتسويته بالأرض دون أي سبب، الأمر الذي أثار غضبا كبيرا لدى المواطنين، وأشعل تنديدا واسعا في أوساط اليمنيين.

ويعتبر مسجد النور أكبر المساجد الموجودة في المنطقة، إذ يتسع لأكثر من ألف مصلي، ويبلغ عمره التاريخي لأكثر من 700 عام، ويعود إلى عصر الدولة الطاهرية.

لا توجد أي مبررات حقيقية لهدم المسجد التاريخي، فهو ليس ضريحا، وإنما مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وكل صلوات الجماعة.

بحسب رواية المواطنين في قرية القطابا فإن “المسلحون يتبعون جماعة دينية متشددة، تقف على عداء من المساجد التراثية والأماكن الأثرية في البلاد، وسبق أن أقدمت هذه الجماعة على هدم الضريح الموجود جوار المسجد، والمنفصل عنه، ويعرف بضريح “ابن محمود”.

وفي هذا الشأن، يقول الناشط الإعلامي حسن البُقط وهو أحد سكان قرية القطابا إنه “لا يوجد أي مبرر لهدم المسجد، وكل الحجج واهية، فتارة يقولون أن في المسجد أضرحة، وتارة أن القبة مائلة، وبالأخير جاؤوا خفية في الليل وبحجة توسعة وبناء المسجد ليقوموا بعد ذلك بهدمة وتسوية بالأرض”.

وأضاف في حديث لـ”يمن مونيتور”: “لقد شارك المتطرفون بهدم المسجد بعض أبناء القرية، وكلهم يتبعون الجماعة السلفية المتشددة والتي تتبع فكر يحيى بن علي الحجوري شيخ مشايخ الدعوة السلفية باليمن”.

اتهامات رسمية لقوات مدعومة إماراتياً

على الصعيد الرسمي، يقول سعد سليكة مدير مكتب الثقافة بالحديدة، إن من قام بهدم المسجد هي مجموعة متطرفة من السلفيين، ينتمي بعضهم للواء التاسع عمالقة (قوات سلفية مدعومة من دولة الإمارات)، والبعض الآخر للواء الكنيني، كما شاركهم بعض المواطنين في المنطقة”.

وأضاف في تصريح لـ”يمن مونيتور”: “لقد كانت حيلة الجماعة المتطرفة، أنها دخلت القرية بغرض الترميم والتوسعة، لكنها اعتدت على المسجد غدرا بالهدم ليلاً، ولنا في مكتب الثقافة موقف سابق عندما سمعنا بالموضوع فقمنا بتوجيه مذكرة لمدير الأمن بتعين حراسة للمسجد ولم يحدث ذلك”.

ويرفض البيان الصادر عن مكتب الثقافة بالحديدة، الهدم الذي حدث للمسجد التاريخي رفضا قاطعا، ويندد بالاعتداءات المتكررة والمستمرة التي تطال المعالم الأثرية والتراثية في مدينة الحديدة.

لكن بيان صادر عن قيادة اللواء التاسع عمالقة، عبّرت قيادته عن عدم رضاها عن تصرفات بعض الأفراد التابعين لها، ومشاركتهم في هدم المسجد.

وأوضحت قيادة اللواء وبتوجيهات من العميد الوحيش، أنها قامت بإجراءات قانونية ضد الأفراد المخالفين، ولا زالوا يقبعون بالسجن بإنتظار الجزاء القانوني.  

 


الحجر الصحفي في زمن الحوثي