إعطاء الحقوق "عبث أخلاقي".. مالكم كيف ستحكمون؟!

د. علي العسلي
الاربعاء ، ١٧ مايو ٢٠٢٣ الساعة ٠٨:٤٨ مساءً

 

 
لا شك أن السياسة أحيانا تكون مؤثرة بشكل أعوج على المجالات الأخرى، وتكون معاكسة لمن يريد اصلاح مالي واقتصادي واداري.. قبل ايام أطلّ علينا الأخ الرئيس من على قناة الحدث، وبشرنا بثورة ادارية، لإصلاح الجهاز الاداري الضعيف! بالإضافة طبعاً إلى ما تقوم به الشرعية من اصلاح اقتصادي، هذا ما يسعى إليه ويناضل الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي في ظل الظروف القائمة بالغة التعقيد!؛ إذ رأينا ذلك التوجه من خلال أحاديثه وخطاباته ومقابلاته!؛
غير أنه في الأيام الماضية ايضاً اتخذ قراراً تاريخياً، لم يسبقه إليه أحد.. اتخذ قراره في تسوية أوضاع المبعدين عن وظائفهم، تنفيذاً لتوصيات لجنة تشكلت بقرار جمهوري برقم (2) لسنة 2013م؛ ويحسب للرئيس أنه أحياها، ويحسب له أنه نفذ ما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ويحسب له أنه بكل شجاعة اعترف بأخطاء الماضي ويسعى لإصلاح الخطأ.. فالحقوق لا تسقط بالتقادم!؛
 غير أنه من المؤكد أن هذا القرار التاريخي سيصطدم بحقيقة الوضع الاقتصادي والاداري المزري، إذ لم يكن قد حسب حسابه، فتبعات مكلفة، فهو عبء إضافي لزيادة عجز الحكومة عن الايفاء بالتزاماتها، فإذا كانت لحد الآن عاجزة عن توفير الموارد الكافية لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية منذ 2015؛ فكيف لها أن تسطيع توفير الموارد اللازمة لدفعها، ولدفع حقوق المبعدين التي صارت بعد القرار واجبة الدفع؟!؛ وهذا يذكرني بقرار اتخذه الرئيس الأسبق "صالح" عقب انطلاق ثورة فبراير في عهد حكومة باسندوة، عندما عينّ دفعة واحدة ستون الف موظف جديد، كانوا في قوائم الانتظار لدى الخدمة المدنية، ربما كان ذلك القرار هو المتسبب في اسقاط حكومة باسندوة عندما لجئت لزيادة اسعار المشتقات، مما سهلّ للحوثي الانقضاض عليها بعد ذلك وصولاً للانقلاب على كل المرحلة !؛
إن قرار العليمي من حيث الاستحقاق، فهو حق، وعلى الدول الداعمة والراعية توفير الموارد لتنفيذه، فتنفيذه يُسهم في حلحلة الاوضاع وفي إنجاح أية تسوية سياسية شاملة قادمة، ومن أضرار القرار على المستوى الاقتصادي والمالي والاداري، تكلفته العالية جداً، لأنه يحتاج لخطة مارشال لتنفيذه، فيصعب علينا أن نصفه بأنه يصُبّ في سياق الاصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، حيث سيترافق مع تنفيذه اختلال حقيقي وجوهري في الاقتصاد وفي الادارة، فالبلد تعاني من انهيار في الاقتصاد خصوصا الانتاج، والهيكل الوظيفي التشغيلي معطل، أي سيصاحب القرار تضخم وظيفي، وزيادة بطالة، واختلال هيكلي في الادارة، وقد يجر لردود أفعال سياسية واجتماعية كبيرة! بدأت ملامحها من تصريحات وتشنّجات هنا وهناك!؛
ومن تلك التصريحات والتشنجات ما غرد به القيادي هاني بن بريك بأن إعطاء الحقوق تسطيح للقضية الجنوبية والمراد منها اخماد بركان ثورة الشعب الثائر، وبأن الجنوب لا يزال محتلاً والقضية قضية استقلال وتحرر.. فممن الجنوب محتلاً يا شيخ هاني، وهو من يحكم الشمال اليوم.. أما أخطر التصريحات فجاءت من الدكتور ناصر الخبجي رئيس الهيئة السياسية، رئيس وحدة شؤون المفاوضات بالمجلس الانتقالي الجنوبي، حين قال: " إن التسويق السياسي والاعلامي لقضايا تتعلق بمحاولة تجاوز جرائم حرب ٩٤م البشعة، وما رافقها من انتهاكات للحقوق السياسية والانسانية والمادية لأبناء الجنوب والاقصاء القسري، هي تسويق الوهم من مرتكبي تلك الجرائم التي لا تسقط بالتقادم... مؤكداً أن هذا أمر غير مقبول والسكوت عن ذلك يعد تشجيع الواهمين لمحاولة النيل من الإرادة الشعبية المقاومة والتواقة إلى الحرية... واختتم الدكتور ( فلترتفع الأصوات عالية لوقف ذلك "العبث الاخلاقي" )"!!
إن الاتهام للرئيس العليمي، هو الذي غير مقبول يا دكتور "خبجي"، فلا يصح وانتم شركاء له في السلطة الشرعية أن تصفونه بأنه من مجرمي حرب 94، فإن كان كذلك، حسب زعمكم، فكيف قبل الانتقالي الاشتراك معه في مجلسه وحكومته يا أذكياء!؛ ثمّ كيف من ينصف الضحايا يُلام ويُتهم ويُجرم.. إن الردود المتشنجة تدل على أن قرار العليمي كان مسماراً في نعش الانتقالي، إذ أبان سوءة الانتقالي، وعرّاه من التشدّق بالنضال في سبيل حقوق الجنوبين!؛
.. ثم وهو الأهم أبان كيف أن تفكير الانتقالي مختلاً، إذ يعتبرون إعطاء الحقوق، تسطيح للقضية، واخماد بركان ثورة شعب، و "عبث اخلاقي".. مالكم كيف ستحكمون الجنوب يا هؤلاء وهذا منطقكم وهذا تفكيركم؟!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي