تجربتي مع قطع التدخين

سامي نعمان
الثلاثاء ، ٠٤ ابريل ٢٠٢٣ الساعة ٠٥:٥٢ مساءً

اللهم إنها أول ليلة في رمضان..  فخذوا عني.. خصوصاً أنتم أصدقائي المدخنون، من لا يروقكم هذا.. 

كانت أول ليلة قطعت فيها التدخين قبل خمس سنوات بالتمام والكمال..  وإلى اليوم لم اتذوق حبة واحدة باستثناء بضع حبات دخنتها في معتقل ميليشيات الحوثي العنصرية الخبيثة في مدينة الصالح في يونيو من عام 2018..  وبالمناسبة لم أكن مدخناً عادياً، كنت أدخن مالا يقل عن 25 إلى 30 سيجارة يومياً.. 

ساعدني رمضان إذ يختصر قسراً بحكم الصيام نحو 6 ساعات عصراً، إذ لم أكن أدخن في العادة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر..    افطرت يومها في رمضان الذي حل السبت 27 مايو 2017 .. اتخذت قراري فجأة "من اليوم لا تدخين". ووضعت 15 حبة سيجارة كمران أبيض أمامي وعليها قداحة.. وقلت يقيناً الليلة.. لا تدخين..

بعد بدء الموعد المضروب لأول حبة سيجارة بدأت فتحات الأنف اللئيمة تتفتح.. لكني اغلقتها غصباً.. ساعتان بدأ الصداع يعصف..  لم استخدم الباراسيتامول، لأنه صداع وهمي ولن يجدِ معك أقواها..  مضت أربع ساعات.. بدأ النيكوتين يدافع عن سلطانه الذي بدأت الاضطرابات تهزه.. استخدم كل أدواته القذرة..   بدأ نزول يسري من الأتف، والعيون تحمر..  أحسست بحكة بوجهي وجسمي.. لعنت 11 عاماً من التبغ..  بدأت مرحلة الانفعال..  اشفق علي ابن اختي بجواري ونصحني بأن اشرب حبة حتى اخفف بعدما لاحظوا حالتى التي تقترب من الانهيار.. نصحني بالهزيمة.. فاوقفت يدي قسرا عن صفعه..  أخذت علبة السجائر وفرمتها ورميتها من الشباك..  حينها أيقن التبع جدية النزال فانهال على مفاصلي وحتى أطراف أصابع القدمين. لقد جلب كل أدواته القذرة للمعركة.. كان يدرك كيف ينال من كل عضو في جسمي.. الرئتان، القلب، العينان، اللسان، الرأس الأطراف، المفاصل، العظام.. قوقعة الأذن، حتى المعدة والأمعاء بدأت تضطرب.. ألم الكليتين داهمني لأول مرة.. القلق في ذروته دونما سبب.. حتى البواسير الكامنة احسست بها.. اللعنة.. (كان الطبيب المصري الاستشاري عصام نخلة قد اكد لي حين ذهبت للمعاينة عام 2014 أن البواسير ليست متضررة ولا تحتاج جراحة لكن التدخين هو أكثر ما يثيرها)..

وليوهمك النيكوتين اللعين أن الصداع الذي يسببه لك يومياً لم يكن هو سببه، فقد داهمني بنوع جديد شمل الرأس كله حتى ظننت أنه يحاول اقتلاعه.. ولما لم يقدر زاد الوطأة على الجهة اليسرى حتى لم اكد استطع فتح عيني.. ربطت الشال على راسي وقهرته أيضاً مع أدواته الخبيثة..

اعلن أذان الفجر انتصاري في النزال الأول وذهبت كل الأعراض لانه يدرك أن وقت جولة معركته الأولى انتهى بهزيمة خائبة..  واخذت نومي مذ طرحت راسي على المخدة متخففاً من حمولة تبغ كانت تعصف بي يومياً وتؤخرني ساعات عن نومي بعد آخر سيجارة أتناولها.. حارب التبغ بكل قوته لثلاث ليال وحشد كل مرتزقته الخُبُث لمنعي، لكنه واجه مقاومة وبأساً لا يلين.

بعدها بدات اتنفس..  نعم لم اكن اتنفس من قبل، كنت استنشق الهواء واخلطه بالنيكوتين المترسب في الرئتين لاعيد تدويره وتوزيعه على أنحاء جسمي..

لم تتوقف معركتي هنا.. 

ولأختبر نفسي وذاتي وقوتي، وأني لا أغالط نفسي ككل مرة، ذهبت بعد اسبوع للمقيل في حضرة زملاء يدخنون، بكثافة وشراهة.. ودخنوا حتى غطي الدخان المساحات الشاغرة في الديوان وتسلل إلى بين الملابس واحتك بجسمي وطبع طبعته ومضى الملعون إذ أدرك أنه هزم في نزالات أشد ضراوة.. وخرجت منتصراً من غرفة التدخين الأكثر كثافة ربما في صنعاء..  أدركت يومها أني انتصرت كلياً في نزال النيكوتين واقتلعته من جذوره..  حينها فقط استعدت عقلي ورأسي ونظري، وتفكيري وراحتي،  وتوازن نفسيتي..   استعدت عافيتي..

عزيزي المدخن..  أنا سامي نعمان.. وهذه تجربتي.. هل تستطيع أن تفعلها..  اثق أنك تستطيع..  فقط ثق بنفسك، وخض تجربتك الخاصة في هزيمة التبغ..  اريدك أن تشعر مثلي..  اشعر اني اتنفس بكل رئات العالم الآن مع نهاية عام خامس.. وانا احييكم في مستهل عام سادس بدون تدخين.. وكل عام وأنتم بخير..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي