خواطر رمضانية (18) – تدبر في الحوار بين المستكبرين والضعفاء في سياق القرآن الكريم

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ١٨ مارس ٢٠٢٥ الساعة ٠٢:٣٤ صباحاً

 

الحوار بين المستكبرين والمستضعفين في القرآن الكريم مشهد مرعب يعكس العاقبة الوخيمة للظلم والاستكبار، ويجسد الحسرة والندم يوم القيامة. إنه مشهد تقام فيه المرافعات العلنية بين الفئات المختلفة التي تباينت أدوارها في الدنيا بين قيادة وضلال، تبعية واستسلام، ظلم وخضوع.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:

﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةًۭ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ حَسَرَٰتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ ﴾ (البقرة: 167).

وفي آية أخرى، يُصور الله سبحانه هذا المشهد بأوضح صورة، حيث يلقي الضعفاء باللوم على المستكبرين، لكن المستكبرين يتبرؤون منهم ويتركونهم لمصيرهم المحتوم:

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُوا۟ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوا۟ وَرَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلْأَسْبَابُ ۝ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةًۭ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ حَسَرَٰتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ ﴾ (البقرة: 166-167).

وفي موضع آخر، تأتي مرافعة أخرى من أهل النار، حيث يواجه المستضعفون قادتهم الذين أضلوهم في الدنيا، محملين إياهم مسؤولية الضياع والهلاك، ويطلبون لهم العذاب المضاعف:

﴿ وَقَالُوا۟ رَبَّنَا إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا ۝ رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفًا مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْنًۭا كَبِيرًۭا ﴾ (الأحزاب: 67-68).

العِبر والدروس المستفادة

1. عاقبة الظلم والاستكبار: الطغاة والمستكبرون الذين استغلوا ضعف الناس وضللوهم سيندمون يوم القيامة، لكن ندمهم لن ينفعهم.

2. مسؤولية الاتباع والتقليد الأعمى: لا يُعذر المستضعفون الذين اتبعوا الظالمين بدون تفكر، فلكل إنسان عقل يُحاسب عليه.

3. التبرؤ المتأخر لا ينفع: في الآخرة، لا تنفع التبريرات، فكما تبرأ المستكبرون من أتباعهم، كذلك سيتبرأ الأتباع منهم، لكن بعد فوات الأوان.

4. الروابط الدنيوية لا تنفع في الآخرة: العلاقات التي كانت مبنية على المصالح تتلاشى، فلا تنفع أموال ولا جاه ولا أتباع.

5. ضرورة التمسك بالحق: لا ينبغي للإنسان أن ينخدع بالمظاهر أو ينجرف خلف الزعامات الباطلة، بل عليه أن يتحرى الحق ويعمل به.

دعاء

اللهم يا مالك الملك، يا قاهر الجبابرة، يا منزل الكتاب ومجري السحاب، لا تجعلنا ممن يندمون يوم القيامة، ولا ممن يُضلون أو يُضلون، واجعلنا من أهل الحق والاستقامة.

اللهم إنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدى، ومن اتباع الهوى، ومن الظلم والاستكبار، ونسألك قلوبًا خاشعة، وألسنة ذاكرة، وأعمالًا صالحة تُنجي بها وجوهنا من نار جهنم.

اللهم لا تجعلنا ممن يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، ولا ممن يُلقون باللوم على غيرهم، بل اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم اجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي