في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن في 13 فبراير 2025، قدَّم المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، مجموعة من المغالطات التي تتطلب تصحيحًا وتحليلًا نقديًا أعمق.
ربط المبعوث أزمة اليمن بالشرق الأوسط ككل، معتبرًا وقف إطلاق النار في غزة، وتوقف هجمات الحوثيين على البحر الأحمر، وإطلاق محتجزي سفينة جالاكسي تطوراتٍ مرحبًا بها، في إشارة ضمنية لدعم الحوثيين لفلسطين. غير أن هذه القراءة تتجاهل التصعيد الخطير الذي يقوم به الحوثيون داخل اليمن، حيث يواصلون التحشيد العسكري، والهجمات، والاعتقالات، بل حتى التعذيب، مما أدى إلى وفاة أحد موظفي الأمم المتحدة في سجونهم.
في المقطع الثاني من إحاطته، يناقض غروندبرغ نفسه، حيث يعترف بأن الحوثيين نفذوا موجة اعتقالات تعسفية جديدة الشهر الماضي استهدفت موظفي الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن هذه التصرفات تمثل تهديدًا خطيرًا لقدرات المبعوث ومكتبه. ورغم ذلك، لم يُسمِّ المبعوث الأمور بمسمياتها، بل تجنَّب تحميل الحوثيين مسؤولية وفاة الموظف الأممي نتيجة التعذيب، مكتفيًا بالإشارة إلى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإجراء تحقيق ومحاسبة المسؤولين.
وفي سياق متصل، أقرَّ المبعوث باستمرار العمليات العسكرية، مشيرًا إلى تحريك الحوثيين تعزيزات نحو خطوط المواجهة، وتنفيذهم قصفًا وهجمات بطائرات مسيرة ومحاولات تسلل في عدة جبهات. لكن المثير للدهشة أنه رغم إقراره بذلك، فقد ساوى بين المعتدي والمدافع، بين المتمرد المنقلب والشرعية، داعيًا الجميع إلى خفض التصعيد، وكأن المدافع عن نفسه يتحمل مسؤولية استمرار الحرب كما يتحملها المعتدي!
وعند تناوله للوضع الاقتصادي، بدأ المبعوث بتسليط الضوء على أزمة الكهرباء في عدن لمدة ثلاثة أيام انقطاع، وهو ما يُعد تقصيرًا يستوجب محاسبة المتسببين فيه، متغافلًا عن الانقطاع الكلي الذي تعانيه مناطق سيطرة الحوثيين منذ أكثر من عقد، وهو ما يعكس انحيازًا واضحًا. كما لم يُحمِّل الحوثيين مسؤولية التدهور الاقتصادي الذي أدى إلى تفاقم معاناة اليمنيين، بل أرجع الأزمة إلى غياب الحل السياسي، متجاهلًا التدخلات الحوثية في المؤسسات المالية ونهبهم موارد الدولة.
وبدلًا من تكثيف الحوار مع الأطراف الفاعلة في الصراع، ينشغل مكتب المبعوث بحوارات عبثية مع الشباب والنساء والمجتمعات المحلية، ومن مخرجاتها يجد المبعوث ومكتبه أنفسهم في مشكلة حقيقية في التوفيق وتقليص الفجوات بين المطالب المحلية البسيطة وتلك الكلية المعقدة. حشر تلك المكونات المدنية دليل فشل حقيقي في إحداث اختراق في أوساط المنقلبين المحاربين، فهذه الفئات ليست طرفًا مباشرًا في النزاع. إن الحل لن يأتي عبر استرضاء القوى الناعمة، بل من خلال تحميل المسؤوليات للطرف المحارب، والضغط عليه باعتباره معرقلًا حقيقيًا للعملية السياسية.
بلغت المغالطات ذروتها عندما اعتبر المبعوث أن حماية جهوده في تحقيق السلام تقتضي تراجع الولايات المتحدة عن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. بل إنه لم يزر صنعاء إلا بعد إعلان أمريكا لهذا التصنيف، ما يكشف أن الضغط المستمر على المتمرد الإرهابي قد يؤتي ثماره لصالح الشعب اليمني.
وبدلًا من اعتبار التصنيف الأمريكي خطوة في الاتجاه الصحيح، استغرب المبعوث القرار وطالب بالتوضيح، بينما كان الأولى به أن يدرك أن الحوثيين لا يستحقون المكافأة، بل العقاب. وقد استشهد بإفراجهم عن 153 محتجزًا، متجاهلًا أن هؤلاء لم يكونوا أسرى حرب، بل مختطفين من منازلهم ومن الشوارع في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
المقلق حقًا تماهي بعض مندوبي الدول بالانضمام للمبعوث في المطالبة من أمريكا بالعودة عن التصنيف. وهنا، على السلطة الشرعية مسؤولية مضاعفة في الاستيضاح من روسيا عن موقف مندوبها في مجلس الأمن الدولي وثنيه عن تبني هذه المطالبة، لا أن تنتظر توضيحًا من أمريكا بخصوص التصنيف!
اختتم المبعوث إحاطته بتأكيده أن اليمن عند "نقطة تحول حاسمة"، وأن القرارات الحالية ستحدد مستقبله، محذرًا من أن العودة إلى العمليات العسكرية واسعة النطاق وشيكة. لكنه، كالعادة، لم يقدم أي حلول حقيقية، ولم يتبنَّ موقفًا واضحًا يُحمِّل المسؤولية لمن يعطِّل السلام.
وختامًا، كشفت إحاطة غروندبرغ الأخيرة عن اختلالات خطيرة في نهج الأمم المتحدة تجاه اليمن، حيث تكرّس المغالطات بحجة الحياد السلبي والتوازن المختل، بدلًا من اتخاذ موقف حاسم تجاه من يعرقل السلام. إن استمرار هذه المغالطات لا يؤدي إلا إلى مزيد من إطالة أمد الصراع، وهو ما يتطلب موقفًا حازمًا من الشرعية اليمنية ودبلوماسيتها لتوضيح الحقائق ورفض أي محاولات لتبرئة المعتدي على حساب الضحية.
-->