باختصار دعونا نحكي كيف منحوه وجهاً مدنياً.. فأخذ الدولة بأكملها، وكيف ساهمت سياسات ثوار 11 فبراير المتساهلة في تمكين جماعة عنيفة لأن تحكم سطوتها على اليمن، مصارحه لا بد منها يا رفاق النضال.
دعونا نكون صريحين مع أنفسنا لحظة، و نبحث عن اصل المعركة لنكتشف ان الكثير من تبريراتنا ليست الا مغالطة مكشوفة أمام واقع مرير نعاني منه جميعاً.
أن تمنح الحوثي وجهاً مدنياً بعد أن كان مجرد مجموعة متمردة في الجبال، ثم تقف إلى جانبه وكأنه مظلوم يستحق الاعتذار، هو أشبه بمنح الذئب صكّ البراءة بعد أن نهش القطيع.
كيف يمكن لمن يمتلك ذرة من العقل أن يطمئن لمجموعة تقوم على فكرة المشروعية الألوهية والدينية في الحكم ، وتاريخها الممتد لقرون ليس إلا سلسلة من التمردات التي استنزفت البلاد وأضعفت الدولة، بينما تحمل مشروعاً كهنوتياً يهدد بنيان الوطن منذ أكثر من اثني عشر قرناً؟
إن الاعتذار لهم، ومنحهم أي شرعية، لا يقل خطورة عن تسليمهم ترسانة نووية، بل هو في بعض الأوجه أشد فتكاً، لأن السلاح يمكن تقييده أو منعه باكرا لو كانت لديك القدرة على القيام بالثورة، أما حين تشرعن وجودهم وتضفي عليهم هالة سياسية، فأنت تمكّنهم من امتلاك أدوات النفوذ داخل الدولة، فتتحول الحروب الست التي خاضوها ضد الجمهورية إلى بروفة لحروب قادمة، تُخاض بسلاحٍ أشد وأرضية أكثر صلابة.
إن أخطر ما قد تواجهه الدول ليس وجود جماعات مسلحة فقط، بل شرعنة هذه الجماعات ومنحها الغطاء السياسي، لأن ذلك يفتح أمامها الأبواب المغلقة، ويمكّنها من التحول إلى لاعب شرعي أمام المجتمع الدولي.
فالعالم لا يتعامل مع الحقائق كما هي، بل مع الوقائع المفروضة على الأرض، وحين يظهر الحوثي بثوب المدني المظلوم، يصبح الحديث عن جرائمه مجرد ضجيج غير مؤثر، بينما يُنظر إليه كطرف يجب التفاوض معه، وليس كميليشيا انقلابية قامت على العنف.
لنفهم خطورة هذه المقاربة، يكفي أن نعود إلى الخلف قليلاً، إلى لحظة نشأة هذا الكيان المتمرد، وكيف استطاع أن يتحول من مجرد حركة مذهبية صغيرة في جبال صعدة إلى قوة عسكرية مدمرة تهدد المنطقة بأسرها.
في كل محطة من محطات صعوده، لم يكن الحوثي ليسجل أي تقدم لولا الدعم الخارجي، والتهاون الداخلي، والرهانات الخاطئة التي تعاملت معه على أنه مجرد ظاهرة عابرة يمكن احتواؤها بالحوار أو التفاوض.
لقد بدأ الأمر بصدامات صغيرة، ثم تطور إلى حروب متتالية، لم تكن الحروب الست مجرد معارك عسكرية بقدر ما كانت دورات تدريبية مجانية لهذه الجماعة، مكنتها من تطوير تكتيكاتها، واكتساب الخبرات القتالية، وبناء شبكاتها السياسية والمالية، ثم جاءت المرحلة الأخطر، حين تحولت هذه الجماعة إلى لاعب يتصدر المشهد السياسي، بعد أن أُعطيت فرصة الدخول إلى العاصمة صنعاء بحجة الشراكة السياسية، وبدلاً من أن تكون تلك الشراكة جسراً للسلام، كانت طريقاً لابتلاع الدولة، وصولاً إلى تنفيذ الانقلاب.
إن أخطر ما في الأمر ليس فقط وجود هذه الجماعة، بل نجاحها في التلاعب بالسرديات الدولية، بحيث تقدم نفسها كحركة تحررية تدافع عن حقوقها، عبر الوجه المدني الذي منح إياه، بينما الحقيقة أنها مجرد ذراع إيراني، تعمل ضمن مشروع إقليمي يهدف إلى زعزعة استقرار الجزيرة العربية، ومع ذلك، فإن بعض القوى الدولية وجدت في الحوثي أداة يمكن توظيفها لتحقيق مصالحها، فبدأت في إعادة تدوير صورته، وتصويره كطرف يجب إشراكه في أي معادلة سياسية مستقبلية.
لقد رأينا بأعيننا كيف يتم استغلال عمليات السيطرة على السفن في البحر الأحمر، وكيف تصدر تقارير دولية توحي بأن الحوثي مجرد قوة محلية تدافع عن مصالحها ضد "العدوان الخارجي"، متجاهلةً كل التقارير التي تثبت علاقته بإيران، وتهديده للملاحة الدولية، واستخدامه للسفن كورقة ضغط سياسية، هذه السرديات ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة، الهدف منها تحويل الحوثي من جماعة متمردة إلى لاعب إقليمي يتم الاعتراف به دولياً.
يخطئ من يظن أن قوة الجماعات المسلحة تكمن في امتلاكها للسلاح فقط، فالعالم لديه القدرة على تزويد أي طرف بما يحتاجه من العتاد إذا رأى في ذلك مصلحة له، لكن الأخطر من ذلك هو منح هذه الجماعات الاعتراف السياسي، لأن السلاح يمكن السيطرة عليه وتدميره، أما حين تمتلك الجماعة مظلة سياسية، فإنها تصبح جزءاً من المشهد، ويصبح اقتلاعها أمراً شبه مستحيل.
لذلك، فإن التعامل مع الحوثي بهذه الطريقة، والبحث عن مبررات تجعله شريكاً سياسياً، هو قمة الغباء الاستراتيجي، لأنه ببساطة يمنحه ما لم يكن ليحصل عليه بالقوة وحدها، وما إن يتم الاعتراف به كطرف سياسي، حتى يتحول أي صراع مستقبلي معه إلى نزاع سياسي مشروع، بدلاً من أن يُنظر إليه على أنه تمرد يجب قمعه.
أحد أكثر الأمور التي تجعل المشهد عبثياً هو أن البعض لا يزال يبحث عن تبريرات تجمل وجه هذه الجماعة، وكأنهم غير مدركين لحقيقة أن الحوثي لا يعمل بمنطق الدولة، ولا يرى في خصومه إلا أدوات يجب سحقها، هؤلاء الذين يروجون للأوهام، ويظنون أن منح الحوثي شراكة سياسية يمكن أن يغير سلوكه، يشبهون من يمد يده للثعبان على أمل أن يصبح أليفاً، بينما هو في الحقيقة ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
ولعل هذه العقلية التي تُصر على منح الفرص لخصم لا يعرف سوى الاستغلال، هي نفسها التي جعلتنا في نظر العالم مثيرين للشفقة، لأننا نقع في الفخ ذاته مرة بعد مرة، بينما خصمنا يعرف تماماً كيف يدير لعبته، إنه لا يبالي بكل محاولات التبرير، بل يستغلها لتوسيع نفوذه، ويتمادى أكثر كلما رأى ضعفاً في المواقف المقابلة.
إن من يتعامل مع الحوثي وكأنه مجرد مكون سياسي، ويرى أن منحه بعض الامتيازات يمكن أن يحوله إلى شريك في السلام، لا يفهم طبيعة هذا المشروع، الحوثي ليس مجرد طرف يبحث عن حقوق سياسية، بل هو كيان انقلابي كهنوتي يمثل الجناح المسلح لكنهة المعبد الهاشمي السلالي الامامي ويؤمن بأنه الوريث الشرعي للسلطة الإلهية ، وأن الدولة ليست سوى غنيمة يجب الاستيلاء عليها.
والأخطر من ذلك أن استمرار التساهل معه لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوسع، ومزيد من الجرأة، ومزيد من استنزاف الدولة والمجتمع، فلا تبحثوا عن تبريرات لا تنطلي حتى على صانعيها، ولا تُسهموا في صناعة وهم يجعلنا في نظر العالم مجرد متفرجين على خسائرنا، بينما الحوثي يتمدد بلا هوادة، لا يعبأ إلا بتحقيق مشروعه.
قال أعطيناهم خيمة قال !
انتم لا تدركون بعد انكم منحتموهم مفتاح القصر، ووقفتم تتفرجون على لص يسرق ما تبقى من وطن، والأكثر إثارة للشفقة الاستمرار في أسلوب النكايات بين الفصائل و الكيانات المتفقة على خطورة هؤلاء استنادا على خلافات سابقة تعطي ميليشيات المعبد الهاشمي السلالي الامامي فرص متتالية لأن يمدد دونما مبالاه بما قد يترتب على ذلك، لأن المهم عنده هو تنفيذ مشروعهم الكهنوتي المستمد من مناهج دينية مستشفه من كتب أهل السنة والجماعة التي تعطي قرابة الرسول أولوية الحكم بأمر الله.
-->