من وحى العيش فى اليمن الحبيب 3

أشرف عقل
الثلاثاء ، ١١ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٥٧ مساءً

( ٣- الجامع الكبير بصنعاء ) .

- يعد الجامع الكبير فى صنعاء قلب المدينة الحقيقى ، وقد شكل إنشاؤه فى العام السادس للهجرة حجر الزاوية فى البنية المادية والروحية والفكرية للمدينة ، وقامت على منواله فيما بعد مساجد عديدة أحصاها القاضى الحجرى فى كتابه " مساجد صنعاء " فبلغت المئة . كما يعد الجامع متحفا حيا يعكس روح العصور المتعاقبة على صنعاء ، إذ كان يهدى له دائما أفضل ما ينتجه الرسامون والرقاشون والخطاطون . وبداخله أعمال فنية رائعة خاصة الزخارف المتنوعة التى تغطى مصندقات سقوف الحرم ، والجامع أيضا هو أول جامع بني خارج المدينة المنورة ، وثالث مسجد بني في الإسلام بعد مسجدي قباء والمسجد النبوي الشريف .

- كان الرسول صل الله عليه وسلم قد أمر الصحابى " فروة بن مسيك " وهو رئيس قبيلة مراد فى الجاهلية ، وأحد وجوه قومه فى الإسلام ، أن يقيم مسجدا فى بستان الحاكم الفارسى " باذان بن ساسان " ، وكان المكان معمورا ببقايا منشآت سابقة مثل قصر " غمدان " الذى يعتقد أن منه قد أحضرت حجارة الجامع الكبير ، وكذلك بعض أبوابه الفولاذية الإثنى عشر ، وفوق أحدها مازالت هناك كتابة بخط المسند الحميرى لأبيات شعر تشير إلى القصر .

يسمو إلى كبد السماء مصعدا

عشرين سقفا سمكها لا يقصر

وقبالة الباب الأول والثانى من أبواب الجامع الشرقية ، مازالت هناك قطعة حجرية ضخمة ، تلتحم مداميكها بالمعدن المذاب ، يعتقد كذلك أنها من بقايا قصر غمدان .

- وقد أمر بتوسعته الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك والولاة من بعده . كما عثر علماء الآثار عام ٢٠٠٦م ، بإشراف خبيرة الآثار الفرنسية الدكتورة ماري لين على آثار سراديب وآثار لبناء قديم مازالت تحت الدراسة . أيضا ، تم الإعلان عن كشف أثري مهم قبل ذلك بسنوات أثناء إزالة الجص من الجدران ، حيث تم اكتشاف اثني عشر مصحفا قديما أحدها كتب بخط سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وكذلك عدة آلاف من المخطوطات العربية النادرة من صدر الإسلام ، ومراسلات من العهد الأموي ، وهذه النفائس محفوظة الآن بمكتبة الجامع .

- ومازال الجامع مركز صنعاء الأساسى لنشر وتعليم القرآن الكريم منذ أكثر من ١٤٠٠ عام ، فالجامع لم يك مكانا روحانيا للصلاة فحسب ، بل مركز إشعاع علمى هام أيضا على مدى قرون . وفى عهد الإمام يحيى حميد الدين عام ١٩٣٦م ، بنيت مكتبته التى ضمت مجموعة هامة من المخطوطات الإسلامية ، وإلى جانبه أنشئت دار حديثة للمخطوطات .

- وقد ألحقت أمطار غزيرة هطلت في صنعاء عام ١٩٦٥م ، أضراراً في سقف المسجد في الزاوية الشمالية الغربية . وخلال أعمال الترميم والصيانة اكتشف العمال قبوا كبيرا يحتوي على العديد من المخطوطات القرآنية التى تعد من أقدم النسخ القرأنية التى عثر عليها حتى الآن ، عرفت بمخطوطات صنعاء ، وهى تقدر بحوالى ثلاثة آلاف مخطوطة فريدة محتفظة برونقها وحالتها الجيدة ، يعود بعضها إلى القرون الأولى للهجرة .

- وفيما يتعلق بوصف الجامع ، يمكن القول إنه مستطيل الشكل ، تبلغ مساحته حوالي ( ٦٨ × ٦٥مترا ) بنيت جدرانه الخارجية بحجر الحبش الأسود ، والشرفات العليا بالطابوق والجص ، وهو يحتوي على إثنى عشر باباً ، ثلاثة في جدار القبلة ، منها باب يعود تاريخه إلى فترة التاريخ القديم نقل من أبواب " قصر غمدان " ، وهو على يمين المحراب ، وفي الجدار الجنوبي مدخل واحد يعرف بالباب العدني تتقدمه قبة صغيرة ، وفي الجدار الشرقي خمسة مداخل ، وفي الجدار الغربي ثلاثة مداخل ، ويتوسط مساحة الجامع فناء مكشوف تبلغ مساحته حوالي ( ٣٩× ٣٨ مترا ) تتوسطه كتلة معمارية مربعة الشكل طول ضلعه ستة أمتار ، تغطيها قبة حفظت فيها وقفيات الجامع ومصاحفه ومخطوطاته .

- كما يحيط بصحن الجامع أربعة أروقة هى : الرواق القبلي ، والرواق الجنوبي ، والرواق الغربي ، والرواق الشرقى . ويوجد ضريح في الناحية الجنوبية من الرواق الغربي يطلق عليه ضريح " حنظلة بن صفوان " ، وتبلغ عدد الأعمدة في الجامع ١٨٣ عموداً ، منها ٦٠ عموداً قبلية ، ٣٠ عموداً غربية ، ٥٤ عموداً في المؤخرة ، ٣٩ عموداً شرقية ، ويعود تاريخ هذه الأعمدة إلى الفترة من القرن الرابع حتى القرن السادس الميلادي ، أما السقوف المصندقة فهى ذات زخارف فنية منفذة بطريقة الحفر الغائر ، ويحدد تاريخ السقف المصندق للرواق الشرقي بالقرن الثالث الهجرى استناداً إلى طرازه ، بينما يعود تاريخ سقوف الرواق الغربي وبعض أجزائه إلى العصر الأموي ، وبعضها يعود إلى أوائل العصر العباسي .

- وللجامع مئذنتان ، في الناحية الجنوبية واحدة ، والثانية في الناحية الغربية منه ، فالمئذنة الشرقية أعيد تجديدها في أوائل القرن الثالث عشر الهجرى ، وتتكون هذه المئذنة من قاعدة حجرية مربعة الشكل بها مدخلان أحدهما في الناحية الشمالية ، والآخر في الناحية الشرقية ، يقوم عليها بدن مستدير تعلوه شرفة مزدانة بصفوف من المقرنصات ، ويعلو الشرفة بدن آخر سداسي الشكل فتح بكل ضلع نافذة معقودة ، ويتوج هذا البدن قبة صغيرة وصفها الرازي بأنه لم يعمل مثلها إلا في دمشق أو في منارة الإسكندرية .

- أما المئذنة الغربية فتشبه المئذنة الشرقية إلى حد كبير مبنية على قاعدة مربعة يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار ، ويوجد غرب المنارة الغربية مكتبة مملوءة بذخائر التراث العلمي والثقافي واليمني في كافة المجالات ، وفيها المخطوطات النادرة ، ومنها عدة نسخ من القرآن الكريم الذي جرى نسخه في عهد الخليفة " عثمان بن عفان " رضي الله عنه ، كما يوجد قبران في فناء الجامع تحت المنارة الشرقية .

- ومما يجدر ذكره ، أنه ليس بعيدا عن الجامع ، كما يعتقد ، كانت هناك كنيسة " القليس " الضخمة التى بناها أبرهة الحبشى على هدى كنيسة المهد فى بيت لحم لينقل إليها الحجر الأسود ، وتكون بديلا عن الكعبة المشرفة فى مكة المكرمة ، لكن الطيور المحملة بحجارة من سجيل ، ويقال أيضا الجدرى ، فتكت بجنده ، فهزم قبل أن يهدم الكعبة ، وكان ذلك فى عام ٥٧٠ هجرية .

* المرجع مصادر متعددة .

________

* الصورة أدناه ، بعد أداء صلاة العصر فى الجامع الكبير فى شهر يوليو ٢٠١٤م ، ومعى الأخ الدكتور فتحى السقاف عميد كلية التربية الرياضية بجامعة صنعاء سابقا ، والأخ الأستاذ على طاهر الخاوى وكيل الوزارة السابق .

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي