عندما تغيّب عقولنا نفكِّر بعواطفنا فيكون هذا العبث.
نجعل من أشياء ليس لها أصل ولا متن ولا دليل ولا برهان، ولم يُقرها شرع ولا دين، ولا تنسجم مع العقل والمنطق، مقدَّسات تُقدم على حساب حياة الإنسان.
تُسحق كرامة الإنسان ويُحرم من حقه في الحياة الكريمة من أجل مقدَّسات وأوهام ليس لها سند؛ يا الله، إلى أين وصلنا؟!!
بل إلى أين رجعنا وتراجعنا، ونحن الذين كنا نظن أننا تجاوزنا هذه التّرهات والخزعبلات؟
ففي الوقت، الذي يعاني فيه الناس من كارثة السيول وأضرارها في صنعاء والحديدة وحجة والمحويت ومدن أخرى، تفرض جبايات ويجبر الناس على الاستعداد للاحتفال بمسمى «المولد النبوي».
ولو كانت هذه الجماعة تمتلك ذرة من عقل أو مسؤولية لوجَّهت هذه الأموال وهذه الجبايات لمواجهة تلك الأضرار والخسائر، وإنقاذ الأرواح وإدخال السرور عليها.
هذا القاضي العمراني مفتي اليمن -رحمه الله- يقول: "لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه احتفل بمولد نفسه أو أمر الصحابة بأن يحتفلوا به، أو رغّب في ذلك، أو أقرّ أحداً على ذلك، وهكذا لم يحتفل الصحابة بعد موته، ولا مَن بعدهم من التابعين".
إذا، من يقول إن حب الرسول -صلى وسلم عليه وسلم- يكون بالاحتفال بمولده، سيلزمه الدليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. فالصحابة لم يفعلوا ذلك، ولا علي -رضى الله عنه- ولا الحسن ولا الحسين.
"وأول من عمله هو الملك المظفر، الذي كان ملكا على بعض مناطق العراق في القرن الخامس، وتبعته الدولة الفاطمية الشيعية في مصر، واختلف العلماء في حكمه فقيل: إنه من شعائر الله، وقيل هو بدعة، وقد ألف العلماء في هذا الموضوع مؤلفات مستقلة منهم من رجّح المنع، ومنهم من رجّح الجواز"، الكلام هنا للقاضي العمراني.
فإذا كان الهدف من الاحتفال بالمولد هو تذكير الناس بسُنة النبى -صلى عليه وسلم- فأين هي السُّنة من ما تقوم به جماعة اليوم؟
فنحن -الشعب اليمني- نلاحظ بجلاء أن السُّنة غابت، وظهر بدلا عنها العبث، وغاب المضمون وظهر الشكل، وغاب محمد الرسول وظهر محمد الجد، وغاب محمد الرحمة [وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين] وظهرت القسوة والإقصاء والتهميش ومصادرة حقوق الآخرين.
فلو كُنتم فعلا تحبون الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتركتم الحرية للناس: من يريد أن يحتفل فليحتفل، ومن يعتقد أنه بدعة فمن حقه، فإجبار الناس على الاحتفال وفرض ذلك، من خلال مؤسسات الدولة، حرام يتنافى مع منهج الإسلام وروحه.
فالله تعال يقول [لا إكراه في الدِّين...]، ويقول [فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر]، هذا بالنسبة للكفر والإيمان، فما بالنا باحتفال لا أصل له في الشرع، والكل في هذه البُقعة مسلمون مؤمنون موحِّدون!!!
فخلاصة القول: الهدف الذي من وراء المبالغة في الاحتفال بالمولد النبوي أو المناسبات الطائفية الأخرى يتضح جليا، وهو تقوية اقتصاد الجماعة وترسيخ جذورها (سياسي واقتصادي).
لماذا؟ لأنها تعلم علم اليقين -وكما نعلم نحن جميعا- بأنه لا قبول لها في أوساط الشعب اليمني، ولا يمكن تقبلها بالطرق الشرعية والديمقراطية، فلجأت إلى هذه المناسبات وهذه الاحتفالات، علها تكون الطريقة الأجدى والأنفع لتحقيق أهدافها.
-->