دمروا التعليم..فانهارت بهم

د. محمد شداد
الخميس ، ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٩ مساءً

 

في مقيل عاصف بالغضب زرت أحد الأصدقاء الأكاديميين المدرسين في كلية التربية صنعاء، وجدته منتفخ الأوداج مُحمَر الوجه مشطاط الغضب، مالك يا دكتور قال طلَّع معدل سبعين، يقصد إبنه، رد خال الطالب، وكان مدرس، يالله تمام رد العميد بغضب لماذا سبعين أين سيذهب بها من سيقبله أنا نزَّلتْ بعده لجنة غش إلى البلاد!! شعرت والله بالدوار ضاق المكان أحسست بأنه صار ضيقًا بحجم قِدر الطباخة وارتفاع الحرارة.. 

 

ولأن أحد الفاسدين ضمن منضومة الفساد العام حينها كان على رأس الملحقية الثقافية بالأردن، سمعت بعدها أن الطالب سبعيني المعدل في الأردن لديه منحة دراسية هو وزوجته وآخر قضى ثمان سنوات في كلية التجارة صنعاء يدرس ما جستير هناك، وآخرين أُلحقوا في كشف الفاسد للدراسات العليا، مرت مرحلة في عهد هشام شرف وزير التعليم العالي ومدير مكتبه رشدي الكوشب ولوكيل عبدالكريم الروضي وعبدالحميد الصلوي مسؤول الشؤون القانونية بالوزارة، الذي عينه شرف أجر فساده ملحق ثقافي في المغرب لا حقاً كان شعارها "سلم واستلم" أي سلم أوراقك مع ألف دولا واستلم قرار الابتعاث!!..

 

قبيل الغزو الحوثي وعندما بدأ التعليم بالانهيار ذهبت في أحد زياراتي إلى كلية الشريعة والقانون، فوجدت طلاب التعليم الموازي أي التعليم "ببيس" أو الشهادة "ببيس" يلقون الأسئلة جميعهم، ويغادرون قاعة الاختبار بحجة أن الأسئلة صعبة، ظاهرة لم يعهدها التعليم عبرت تاريخه!..

 

في جلسة انتشاء قال أحد الزملاء كل نتائج خريجي الثانوية عندنا في البلاد تسعينات، إذا لم يكونوا أوائل ويذهب جميعهم منح دراسية، قلت أين المدرسة قال مديرية "......" محافظة "........" قلت ما شاء الله كيف؟ قال ولا شي تأتي الأسئلة والمدرسين هم من يقوموا بالإجابة!! لم أصدق حينها الحالة حتى وجدت أحد الطلاب المبتعثين إلى بريطانيا عاد لتوه سألته لماذا عدت؟ قال أريد تغير بلد الدرسة من أين الأخ قال من محافظة "........" تبادرت القصة إلى ذهني قلت له من منطقة "......"؟ قال نعم قلت في نفسي وصلت الرسالة..

 

ذلك حال التعليم قبل مرحلة الانهيار الكلي وإبان البقية الباقية من الساسة الوطنيين وحملة شعار التعليم أولاً بناء الدولة ثالثًا ورابع، أما اليوم فيتحصل الطالب على معدل تسعيني وهو في جبهة الحوثي صار الغش سياسة إفساد تعليمي ممنهج حتى يبقوا المجتمع على جهالته ومجرد اكتاف لحمل السلاح، وصارت معدلات النتائج بالمئات 100% وتحولت الجامعات والمدارس تحديدًا في مناطق الحوثي إلى ميادين للبلطجة والغش وإذلال شموع العلم والطلاب وتدمير التعليم ونشر الفساد..

وهُجِر كل من درسوا في عهود التعليم الصحيح ودرسوا في الخارج كوادر علميه مائزة في كل تخصص إلى بلدان المهجر، وتركوا اليمن لموظفي الغش والموظفين العجائز.. 

 

قصة دالة على أسباب السقوط، أنه وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي كرَّمت المخابرات الامريكية عميلها الروسي والذي كان يشغل منصب وزير الخدمة المدنية في موسكو، سأله ضابط في المخابرات الروسية كنت مسؤلا عن مراقبتك لم اجد لك علاقة مع المخابرات الامريكية ولا تواصل ولا مراسلة فماذا الذي صنعت لهم في عمالتك ؟ 

قال كنت أعمل على تعيين كل خريج في غير تخصصه، وأُشجع علي ترقية الاغبياء مع دعاية اعلامية لهم، واحول دون صعود الكفاءات باختراع نقص الشروط، وادفع بهم إلى لهجره والابتعاد عن الوطن حتي بقي في رأس الدولة العجائز القداما والاغبياء الجدد، فاصيب الاتحاد السوفييتي بالافلاس الفكري وسقط!! 

وذاك ما حدث لليمن قبل السقوط والذي سيستمر لعقود قادمة نتيجةً لتولي الأغبباء المعينين من العجائز والدمار الممنهج للتعليم.. 

 

 حكمة للمقارنة: كتب الاساتذة في جامعات جنوب أفريقيا لطلابهم في مرحلة الدكتوراة والماجستير والبكالوريوس على مداخل الكليات رسالة معبرة.. تقول " إن تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى، ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم، والسماح للطلبة بالغش" 

 

وعليه لا نستغرب إن حُكم بالإعدام ظلمًا من خريج قانون فاشل، وترافُع محامٍ فاسد يقف ضد الضحية بمقابل المال، وطبيب ساعده الغش يقتل مريضًا بحقنه تشخيص خاطئ، ومهندس غاش بغبائه تنهار المباني والجسور لأنه درس وتخرج ولم يمسك المسطرة أو يجيد حسابات المقاييس والمسافات.. وإعلامي لم يدرس أبجديات شرف المهنة ومهاراتها، يعمل ضد قناعاته يؤجر قلمه يسوق مع من دفع يبيع لسانه كالمهرج "عبدالحافظ معجب" على قناة الساحات الشيركيعية..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي