الاربعاء ، ١٦ سبتمبر ٢٠١٥
الساعة ٠٢:١٠ مساءً
كان حزب المؤتمر مثل فطر الخبز يتضخم حجمه وتقل قيمته، ويتغير شكله بمرور الأيام، حتى ابتلعته النيران التي تلاعب بها زعيمه طيلة العقود الماضية.
صالح الذي شكل حزب المؤتمر في أغسطس 1982 من أجل إخماد نيران الاحتراب الداخلي واحتواء كل الفرقاء السياسيين تحت مظلة التنظيم السياسي الأوحد في شمال اليمن هو من اشعل النيران في كل اليمن منذ 2011 حتى اليوم، عقاباً لشعب خلعه من موقعه.. وكأن صالح «حاوياً» اخرج الأفعى من مخبأها ولم يقتلها بل احتفظ بها لقادم الأيام.
خلال السنوات الثماني الأولى من عمر المؤتمر كان هو سيد القول والموقف في شمال البلاد، ومنذ الوحدة اليمنية في مايو 1990 كان المؤتمر أما صاحب النصيب الأكبر في كل حكومة تتشكل، أو يبتلع مقاعدها منفرداً، بحجة امتلاكه لأغلبية برلمانية تمكنه من الحكم دون شراكه، ومفهوم «الشراكة» لديه يعني التصرف بمقدرات الدولة كما يشاء، ومسائلته أو محاسبته على تغول فساد حكومته هو مناكفة سياسية يقودها «أصحاب النظارات السوداء» كما كان يقول صالح.. وتشجيعاً لمن أفسدوا في المال العام ومنحوا ولاءهم لصالح قال الأخير في افتتاح الدورة الثامنة للمؤتمر العام لحزبه «المؤتمر ما قطع رأس أحد».. بمعنى أفسدوا وأنتم في مأمن.
لذلك كان من الطبيعي أن يلتحق بالمؤتمر المتساقطون من أحزابهم، ليس لأنها أحزاب هشة وبلا رؤية أو مشروع، ولا لأنها غير مؤسساتية، أو يغلب عليها الشخصنة القيادية، ولا لأنها لا تضع قيمة للديمقراطية الداخلية في تنظيماتها، بل لأن صالح وحزبه يغدقون ويوفرون حتى يسيل اللعاب وتنتفخ الكروش، وإن ادعى البعض وجود خلافات حقيقية مع أحزابهم أجبرتهم على المغادرة، كان بإمكانهم البقاء مستقلين أو في أحزاب أخرى، غير حزب صالح الذي اغدق العطايا للمؤلفة قلوبهم، حتى حولهم إلى فاسدين، ومن ثم منظرين وحملة مباخر في جوقة صالح وحزبه.
تصرف المؤتمر منفرداً وكان قادة الحزب ورؤساء دوائره عادةً ما يوجهون أعضاء الحكومة ويطلبون لهم ولأسرهم امتيازات لا حصر لها كالمنح الدراسية والطبية والعلاوات الوظيفية والترقيات والرتب العسكرية والأمنية والعبث بأراضي الأوقاف وتخصيص مرافقين ورواتب وإعانات مالية.
وفي ذروة عبث الحزب بمقدرات الدولة نادى أمينه العام الأسبق القيادي الشجاع عبدالقادر باجمال «بضرورة الفصل بين المؤتمر والسلطة».. وهناك من فسر شجاعة باجمال إلى مماحكات سياسية كبيرة بينه وبين الرئيس صالح، على خلفية إقالة الأخير من رئاسة الحكومة في ابريل 2007 بطريقة مهينة إذا عرف ذلك من خدمة اخبارية عبر الموبايل أثناء اجتماعه مع قادة الأحزاب السياسية، وأياً كان السبب فقد كان باجمال وقتها أول مسؤول يحاول ضرب صالح «تحت الحزام» وحاول إيصال رسالة كبيرة بأنه شريك وليس موظف وأنه يمثل الجنوب وخاصة حضرموت المحافظة اليمنية الأكبر مساحة.
وشخصياً أعتقد أن باجمال مثّل معضلة لصالح، وهاجساً مقلقاً، ولا استبعد وقوف الأخير وراء حادثة باجمال في سنغافورة والتي لم يتعفَ بعدها إلى اليوم.
اليوم قادة المؤتمر الحكماء خارج البلاد ومن بقي منهم طوّعه صالح لرغبته الانتقامية، وحوّلهم من رجال سياسية إلى أعضاء عصابات ليلية... لننظر هنا في بيان التبرئة لحزب صالح مما حدث في منزل رئيس فرع المؤتمر في العاصمة جمال الخولاني، حيث انفجرت سيارة مفخخة في حديقة منزله أثناء تحضيرها بالمتفجرات عشية الجمعة الماضية.. حادثة تؤكد تحول هذا الحزب إلى ميليشيا.
أمام أي جامع أو مدرسة أو مشفى كانت ستنفجر وكم ستحصد من الأرواح.. كل ذلك لإشباع رغبات صالح، وشفى غليله كما قال مرة.
يجب على عقلاء المؤتمر وقياداته الشريفة أن تعمل على تشكيل حزب جديد يرأسه هادي أو أي من قيادة المؤتمر الحالية.. بدلاً من التخبط والانقسامات بين أغلبية مع صالح، وأقلية مع هادي، ونزر يسير محايد.
ومسألة الانقضاض على رئاسة صالح وانتخاب قيادة جديدة برئاسة الرئيس هادي لا أظنها خطوة صحيحة لأن 80% من القادة المؤتمريين لا يزال ولاؤهم لصالح، وإخلاصهم لشخصه أكثر من إخلاصهم لوطنهم.
ثم أي حزب هذا الذي سيظل يعتمد على قيادات شاركت في جرائم القتل والنهب وتفجير المدن، وكيف سيتقبلها الناس ويتعاطون معها إيجابياً.
هل يظن أحد أن أبناء «إب» سيتعاملون ويتقبلون شخصية «عبدالواحد صلاح» رئيس فرع المؤتمر في المحافظة، وهو الذي ساهم في إدخال الحوثيين إلى محافظته ونصب الدبابات والمدافع والصواريخ لقتل الناس، خدمةً لصالح والحوثيين، بل وقَبِلَ تعيينه محافظاً للمحافظة بقرار من لجنة الحوثيين الثورية، وغيره في قيادة المحافظة كالفاسد الأكبر أمين الورافي وجبران باشا والغيثي وعلي الزنم، والأخير يحتفظ ببيته بصورة ينتصب فيها إلى جوار صالح يوم أن كان رئيساً، لكن ذاكرة الناس تحتفظ له بصورة يقف فيها بلباسه المدني إلى جوار «أبوعقيل» القائد العسكري للحوثيين، في حفل وصفوه بالرسمي، دون أن يسأل نفسه من منح هذا الذي يلبس الزي العسكري المسروق الحق في قتل أبناء المحافظة وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها.
والمتعارف عليه أن قوة الحوثيين في «إب» ليست أكثر من 10 % والبقية قوة صالح بشقيها العسكري والحزبي.
وفي «تعز» هل سيتقبل الناس شخصية جابر عبدالله غالب، وعبدالله أمير ومحمد منصور الشوافي والأخير لا أحد يضاهيه في الانتهاكات والجرائم، وفي «الحديدة» رئيس فرع المؤتمر حسن الهيج هو المحافظ الذي عينه الحوثي، وفي «عدن» أدى رئيس فرع المؤتمر عبدالكريم شائف الدور الكبير في الخيانة وادخال الحوثيين إلى محافظته، وفي «ذمار» المحافظ الذي عينه الحوثي هو حمود عباد عضو المكتب السياسي للمؤتمر، وفي «حجة» عبث رئيس فرع المؤتمر فهد دهشوش بأمنها واستقرارها طاعة لصالح، وفي كل محافظة للمؤتمر دور مشبوه وذكرى سيئة، واقلها أن مقراته تحولت إلى مأوى للقتلة والعصابات وميليشيا الحوثي.
*المقال
-->