خواطر رمضانية (11)- تدبر ودروس من آيات الحوار بين نبي الله لوط عليه السلام وقومه في السياق القرآني

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ١١ مارس ٢٠٢٥ الساعة ١٢:٠٦ صباحاً

 

تمثل قصة نبي الله لوط عليه السلام مع قومه نموذجًا من نماذج المواجهة بين الحق والباطل، حيث دعاهم إلى الفطرة السليمة، وترك الفواحش التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين، لكنهم أصروا على ضلالهم، واستكبروا عن قبول دعوته، بل لجأوا إلى العناد والتهديد. ما أحوج عالمنا اليوم إلى التدبر في آيات الله، وهو يرى المثلية تنتشر كالهشيم.

يستعرض القرآن الكريم هذا الحوار في عدة مواضع، مما يوضح أساليب الأنبياء في الدعوة، وطبيعة المعاندين في مواجهة الحق، والعاقبة التي حلّت بالمفسدين.

 

أولًا: عرض الحوار كما جاء في القرآن الكريم

1. دعوة لوط عليه السلام إلى ترك الفاحشة

قال تعالى:

(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) (الأعراف: 80-81)

بدأ نبي الله لوط عليه السلام حواره مع قومه بتوجيه استفهام تقريعي، ولومهم على ارتكاب الفاحشة، مؤكدًا أنهم ابتدعوا هذا الفساد ولم يسبقهم إليه أحد.

2. ردّ قوم لوط بالرفض والسخرية

قال تعالى:

(وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّآ أَن قَالُوٓا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (الأعراف: 82)

اعتبر قوم لوط دعوته للطهارة أمرًا غريبًا، يستوجب طرده ومن معه من المؤمنين.

3. لوط عليه السلام ناصحًا قومه بالحكمة

قال تعالى:

(وَلُوطٌ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَٰحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (النمل: 54-55)

حاول لوط عليه السلام نصح قومه بأسلوب الاستفهام التقريري، لكنهم أصروا على الفاحشة، متجاهلين كل الحجج العقلية والدينية.

4. تهديد قوم لوط لنبيهم بالطرد – أول سياسة إبعاد في التاريخ

قال تعالى:

(قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ) (الشعراء: 167)

لم يكن لديهم أي حجة عقلية أو شرعية، فلجأوا إلى التهديد بالطرد، كما هو ديدن المعاندين عبر التاريخ.

5. استنجاد لوط عليه السلام بالله بعد أن يئس من قومه

قال تعالى:

(قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِى عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ) (العنكبوت: 30)

بعد أن رأى لوط عليه السلام أن قومه لا يستجيبون للنصح، وأنهم مستمرون في فسادهم، لجأ إلى الله طالبًا النصر.

6. استجابة الله لنبيه لوط وتحذيره بالخروج

قال تعالى:

(وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِىٓءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (هود: 77)

جاء الملائكة على هيئة بشر، فخشي لوط عليه السلام أن يتعرض لهم قومه بالأذى، لأنه كان يعلم طبيعة إجرامهم.

7. هلاك قوم لوط وإنجاء المؤمنين

قال تعالى:

(فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ، فَجَعَلْنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ) (الحجر: 73-74)

كان عقاب الله شديدًا على القوم الظالمين، حيث دُمّرت قراهم قلبًا على عقب، وأمطرهم الله بحجارة من سجيل عقابًا لهم.

ثانيًا: الدروس المستفادة من الحوار

1. خطورة الابتعاد عن الفطرة السليمة

يوضح القرآن الكريم أن قوم لوط ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد، مما يدل على خطورة الانحراف عن الفطرة في كل زمان.

2. عدم جدوى المجادلة مع المعاندين بعد إقامة الحجة

رغم أن لوط عليه السلام قدم لقومه الحجة العقلية والمنطقية، إلا أنهم أصروا على فسادهم.

3. استخدام الطغاة سلاح الطرد والإقصاء بدلًا من الحوار

عندما عجزوا عن الرد، لجأوا إلى التهديد بالنفي والطرد، كما فعل المشركون مع الأنبياء عبر التاريخ.

4. وجوب مواجهة الفساد بالوسائل المتاحة، ومنها الدعاء إلى الله

حين يشتد الظلم، ويصل المعاندون إلى مستوى الإجرام، يكون التوكل على الله والاستعانة به ضرورة حتمية.

5. عاقبة الإجرام والانحراف عن الدين

كانت نهاية قوم لوط دمارًا شاملًا، مما يدل على أن الإفساد في الأرض لا يدوم.

6. رحمة الله بالمؤمنين وإنقاذهم من العذاب

رغم أن العذاب كان عامًا، إلا أن الله أنجى لوطًا وأهله إلا امرأته، مما يؤكد أن الإيمان والصلاح هما سبيل النجاة.

ختامًا

تقدم لنا قصة لوط عليه السلام درسًا في مواجهة الفساد والباطل، حيث استخدم نبي الله أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، لكن قومه قابلوه بالرفض والعناد. وعندما أصروا على معصيتهم، جاءهم العذاب المستحق، بينما نجّى الله عباده المؤمنين.

وهذا يؤكد أن سنن الله لا تتغير، وأن الباطل مهما طغى فإنه زائل لا محالة، وأن العاقبة للمتقين.

اللهم اجعلنا من أهل الطاعة، واحفظنا من الفساد، وانصر الحق وأهله، وثبتنا على دينك، وارزقنا الفهم في كتابك. آمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي