استغفال الأمس ونكبة اليوم

د. محمد شداد
الخميس ، ٠٦ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ٠٢:٥٩ مساءً

 

كلما قرأ الإنسان وزاد غوصه في أحداث تاريخ اليمن المعاصر ازداد غصةً وشقاء، تذهب به الذاكرة على الدوامِ بعيدًا، ويتذكر قول الشاعر "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم" 

لا يمكن أن ينكر أحد أنه مر في مراحل حياته بمرحلة الاستسخاف أو الاستغفال تحديداً في مراحل طيش الشباب، من قِبل أطراف قد تكون هي بدورها مستغفلةً أيضاً من قبل أطراف لديها مصالح تتنافى مع الصدق ونُبل السلوك..فأورثت الهِرم المبكر للشباب والشيخوخة المعرفية المستعجلة..

 

اتذكر مرحلة استغفال طليعة الشباب واستحمار الكهول إبان الحرب ضد الجبهة الوطنية الديموقراطية في بداية العقد الثامن من القرن العشرين، في جبال مخلاف شرعب والعدين والمناطق الوسطى عند صراعها مع نظام العكفة الطائفي على إثر التنازع حول كيفية بناء دولة ينعم أهلها بالحرية، والعدل، والمساواة بصرف النظر عن النزق الحزبي لليسار حينها، أهداف وصراعات لم يُدرك كنهها عند الكثيرين إلا بعد القراءة العميقة والصداقات الواسعة وكسر حواجز القلق والخوف من سماع رأي الآخر..

 

استغفلت سلطة صنعاء الأجيرة لأجندةٍ خارجية حينها مجاميع المتأثرين بموج المد اليميني وتيار التدين أو الصحوة كما أطلق عليها البعض، لمحاربة الجبهة الوطنية التي كانت ذات ميولات يسارية، لصالح سلطة صنعاء الفاسدة، وهي التي كانت الأحق بالمحاربة لإسقاط انتفاخ الأنا والاستئثار بالسلطة على أسس جهوية مناطقية غليظة، أدرك الناس أهدافها بعد أن فات الأوان، لأنها غدرت بالجميع المحارِب والمحارَب ضده وأقصت بعضهم كعادتها وزجت بالبعض الآخر في سجون جهاز الأمن السياسي سيء السمعة..

امتدت مرحلة الاستغفال إلى ما بعد تلك المرحلة، مرحلة معاداة كل الأحزاب يسارية قومية وطنية نتيجةً لفهمٍ خاطئ لها ولأهدافها وفلسفتها الإيديولوجية، واستمر الصراع الهدَّام والعداوات المزمنة..

 

 استمر مبدأ الاستغفال وإقصاء الوطنيين حملة هم بناء الدولة على أسس حديثة حتى أطلت الأفاعي برأسها من شقوق بناء الجمهورية المتهالك من جديد، بفعل الداعي الجهوي والتعصب القبلي للقبيلة التي حلت محل نظام الإمامة وعدَّت الحكم إرثاً مذهبياً زيدياً يجب أن لا يخرج من عبائتها، ويكون حصرياً في جيوبها، تنكراً صافقاً وتصفيةً لشروط الحياة القاسطة والوجود الإنساني القائم على الاختلاف والتنوع أصلا"..

 

تلك القبيلة التي شكَّلت الحاضنة الخصيبة الرخية والدافئة لعقارب الإمامة السلالية والأفاعي العصبوية، حتى باتت فقاسة الإرهاب لإنتاج مشاريع الفوضى والعودة إلى الماضي البائس الذي ثار عليه الشعب اليمني بكل فآته وأطيافه السياسية والفكرية، وما الظاهرة الحوثية والالتفاف الطائفي حولها إلا أحد نتائج الفقاسة الحاملة لذلك المفهوم، والتي بدورها دهمت الجميع ولم تستثن من طغيانها حزب ولا قبيلة، سفكت الدم وهدمت البناء وانتهكت الشرف والعرض..

 

تحرر الكثر من اليمنيين من طامة الاستغفال ومبدأ الاستحمار، وأنضجت الصراعات والحروب والميديا الحديثة ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والمكتبات المعلقة على الانترنت وعملية التأليف والنشر الواسع في السنوات السبع الماضية أنضجت العقول واستهدفت تفقيه الشعب اليمني بقضيته وإنضاج فكرة جمهوريته وأهمية وحدته وضرورة تحقيق قضيته العادلة، وإن حاد الكثير عن أهدافهم ومبادئهم وتنكبوا بعد أن صنعت منهم الجمهوية أناساً ورموز..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي