بين الحين والآخر تُثار فرضية سياسية حول تحالف الحوثيين والإصلاحيين من قبل بعض الناشطين السياسيين والإعلاميين؛ بل إن البعض يقرر أن ثمة تحالفا بينهما.
ولأهمية هذه المسألة وتداعياتها نتوقف هنا لمناقشتها من جميع جوانبها.
نقول:
أولا: المطلع على الأدبيات السياسية والدينية للطرفين يخلص إلى نتيجة بديهية أن كلا منهما على النقيض من الآخر في كثير من المسائل الجوهرية، وإن التقيا في بعض المسائل الثانوية.
ثانيا: الإصلاح حزب سياسي، تجاوز ــ إلى حد كبير ــ دائرة الجماعة الدينية بمفهومها الكلاسيكي التقليدي، التي كانت عليها في الثمانينيات، وحتى آخر التسعينيات أيضا، وإن كانت ثمة ملامح يسيرة موجودة داخل هيكله التنظيمي وأدبياته الثقافية حتى اليوم؛ لكنها في طريقها للتلاشي، بينما الحوثي جماعة دينية/ سياسية، يرفض أن يتحول إلى حزب سياسي؛ لأن تحوله إلى حزب سياسي يتقاطع شكلا وموضوعا مع جوهر فكرته؛ إذ بتحوله إلى حزب سياسي معناه احتكامه لإرادة الشعب، ولصندوق الانتخابات، وعقيدته الدينية تقرر أن حقه في الحكم مستمد بصك إلهي من السماء، وبالتالي فلمَ يتسول الشعب حقه الإلهي في الحكم؟!
ثالثا: تجريبيا يستحيل قطعا على أي طرف من الأطراف السياسية أو المدنية التعايش مع الجماعة الحوثية، وحقائق المرحلة السابقة تقرر هذا بكل وضوح، سواء الإصلاح أم المؤتمر أو الاشتراكي أو السلفي أو المستقل أو حتى اليهود والنصارى والملحدين، لن يتعايش أحد مع الحوثي، وذلك بحكم العقيدة الدينية للحوثي الذي يستحل بها أموال الغير، ممن اتفق معه أو اختلف. وهم ــ الحوثيون ــ يشبهون الأفعى التي يستحيل على كل الكائنات الحية أن تتعايش معها في جحر واحد، عدا "الوزغة" فهي الوحيدة من بين كل الكائنات والهوام التي تستطيع أن تُساكنَ الأفعى في جحرها، كما ذكر الجاحظ في الحيوان، ولنبحث عن الوزغة التي تتعايش مع الحوثي!
رابعا: للإصلاح منظومة مصالح اقتصادية مهولة، ركز على بنائها من وقت مبكر، وهي من صلب اهتماماته التنظيمية، هذه المصالح ينظر لها الحوثي باعتبارها غير شرعية، حصل عليها بالاستحواذ والطرق غير الشرعية، وهي ــ وفقا لمعتقدهم ــ من حقوق الإمام، وله أن يصادرها لصالحه الشخصي، وعمليا هذا ما طبقه الأئمة مع كل مخالف لهم من لدين المؤسس الأول يحيى الرسي، وحتى عبدالملك الحوثي. هذه المنظومة الاقتصادية لوحدها تجعلهما على طرفي نقيض؛ إذ لن يفرط الإصلاح في مكاسبه هذه، كما لن يعترف الحوثي بشرعيتها أساسا.
خامسا: الإصلاح أكبر حزب سياسي شعبي في اليمن، بعد المؤتمر الشعبي العام؛ أما تنظيميا فبنيته التنظيمية متماسكة أقوى من المؤتمر الشعبي العام، إضافة إلى قوته المالية، وله قطاع واسع من المثقفين والإعلاميين، ويكاد يستقل بألوية عسكرية خاصة تتبعه، وبالتالي فهو يمثل الخطر الأكبر على الحوثي، كونه يمتلك قوة حقيقية ضاربة على الأرض. وهذا ما لم يرضَ به الحوثي قطعا، ولن يستقر له قرار حتى يستأصل شأفته، وينتزع آخر عرق من عروق القوة فيه، وبطبيعة الحال لن ينسى الحوثي المقاومة العسكرية الشرسة التي أبداها الإصلاحيون ضده في كل من تعز ومارب وغيرهما. وذات الشأن أيضا مع بقية المكونات الأخرى. وأبرزها المقاومة الوطنية، بجناحيها السياسي والعسكري التي يرأسها العميد طارق صالح، وتمثل اليوم كابوسا كبيرا له.
هذه هي الأسباب التي تبدو مانعة لأي تحالف بين الطرفين، كما يبدو لنا؛ ولكن ثمة سؤال يفرض نفسه: ماذا عن الأصوات التي برزت مؤخرا وتنادي ــ ضمنا ــ بالتقارب بين الطرفين؟!
والجواب:
بالنظر إلى هذه الأصوات التي برزت بصورة أكبر مؤخرا، والتي تزامنت مع حرب غزة تبنتها عدة أجنحة متصارعة فيما بينها، وهي إما إصلاحية، أو محسوبة على الإصلاح، وعلى النحو التالي:
1ــ أصوات سلالية داخل التجمع اليمني للإصلاح من ذوي المواقف المزدوجة والمعروفة سلفا، والتي تحاول أن توفق بين مطالب حزبها الرسمي، ورضا بني عمومتها الحوثيين في صنعاء. وهذه الأصوات معروفة من قبل.
2ــ أصوات الشيخ عبدالمجيد الزنداني وأتباعه، ومعروف عن الشيخ الزنداني من وقت مبكر تجديفاته السياسية والدينية التي تخالف سياسة حزبه، وتخالف سياسة الدولة نفسها، وتخالف العقل والنقل أيضا، أبرزها "تصريح الخمس" في 26 سبتمبر 2013م. علما أن الزنداني وفريقه هم الأكثر احتمالا لأي تقارب فعلي بينهم وبين الحوثي، بحكم سطحية تفكيرهم أساسا، ومعروف عن الشيخ الزنداني أنه رجل إثارات أساسا، يصمت برهة من الوقت، ثم يخرج بتصريح مثير يظل حديث الناس فترة من الوقت.
3ــ أصوات بعض الناشطين من الإعلاميين والمثقفين المحسوبين بصورة مباشرة على الإصلاح. وهؤلاء ببساطة يتبعون سياسة الدول التي يقيمون فيها، سواء في قطر أم تركيا أم عمان، أو حتى صنعاء نفسها؛ إذ يستحيل على المقيم في قطر مثلا أن يتخذ موقفا سياسيا على الضد من دولة قطر نفسها، سواء فيما يتعلق بالحوثي، أم بغيره. علما أن ثمة عقلاء لهم مواقف وازنة في هذه الدول، ولم يجاروها أيضا. "شوقي القاضي" أنموذجا. وعلينا جميعا أن نتفهم مثل هذه المواقف.
أخيرا.. لا الإصلاح، ولا المؤتمر ولا حتى "الهكسوس" بوسعهم عقد صفقة شراكة مع الحوثي، وكل ما هو حاصل على الساحة لا يعدو مزايدات سياسية، ومكايدات آنية، ستعود إلى مجراها الطبيعي في اللحظة الحاسمة، عدا الأصوات السلالية أو محدودي الوعي ممن ذكرنا سابقا، وسيظل الشعب اليمني قاطبة ضد هذه الجماعة الكهنوتية البغيضة، مع شرعيته، ومع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. وإن غدا لناظره قريب.
-->