عيدروس النقيب: برلماني في مهمة لغسل الجريمة..!

جمال محمد
الخميس ، ١٧ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ٠٦:٣٧ مساءً

 

لمجرد أن تقرأ مقالة بدايتها: همس اليراع. ستظن نفسك في صفحة تلميذ في الصفوف البدائية. ثم ستشعر بالذهول، حين تتأكد من هوية الشخص فتجده برلمانيًا، له الحق في ممارسة عملية تشريعية ورقابية في المجتمع. أنت في صفحة : عيدروس النقيب. ولن يستطيع أحد لجم ضحكتك دونما إرادة منك. لكن هذه مقدمة مازحة وليست مهمة كثيرا. أمامنا موضوع أخطر. برلماني يشرعن للمسخرة. 

بداية: إنه لأمر صادم أن يتعرض رئيس وزراء البلاد، لحصار من قبل مجموعة مسلحة في مقر إقامته، بالعاصمة عدن؛ لكن الأكثر مدعاة الخجل، هو أن يخرج علينا شخص ذو صفة رسمية وشرعية، عضو في البرلمان. ويحاول صياغة تبرير لسلوكهم المنفلت بل ويذهب في صياغة المدائح للمسلحين، كأنهم كانوا في مهمة فدائية وليسوا متورطين في انتهاك رمزية الدولة ومحاصرة المقر الممثل لسيادتها ومحاولة التعدي على رئيس حكومتها. 

كتب البرلماني/ عيدروس النقيب، مقالًا يُجيب فيه عن سؤال: من الذي حاصر قصر المعاشيق..؟ لكن حديثه لم يكن جوابًا متجردًا يحوي تفاصيل موضوعية عن الحادثة؛ بل أشبه بمحاولة لشرعنة الحادث الصبياني وغسل الموقف المشبوه. قال: إن إعلام اللصوص زيفوا الحقائق، أما هو فلم يُزيف الحقيقة فحسب. بل أظهر فقدانه لأي معيار قانوني وحتى أخلاقي في الحكم. تحدث عن المسلحين، بلغة مهذبة، حتى يخالهم المرء مجموعة سياح، فائقو التهذيب، دخلوا قصر المعاشيق؛ كي يعبروا عن مودتهم لرئيس الحكومة المقيم في المكان. 

بالمقابل حشد عيدروس كل التهم الخيالية؛ كي يحيل رئيس الوزراء لشخص جدير بالإهانة، وعليه فمن الطبيعي أن يُقتحم مكان إقامته بالبندقية والقذائف، إذ ليس من المتوقع ملاقاته بالأناشيد والورود، ولربما نسي أن يكمل عبارته ويقول: من حق المسلحين إشهار السلاح في مقر إقامة رئيس الحكومة؛ لكنه اكتفى بجملته السابقة وللقارئ أن يفهم المغزى بنفسه. إنك أمام تبرير صادم للحدث ؛ لكأن عيدروس يتحدث عن عدو يتوجب ملاحقته وليس شخصًا كامل الحصانة ومن العار التصرف إزاءه بتلك الطريقة التي لا ينتهجها سوى رجال العصابات. 

ليس في مقال الرجل أي حقائق أو تهم جديرة بالتفنيد، هو حشد من الأباطيل، حديث يخجل المرء من وصفه بالسوقية؛ لكن التزام الدقة في التعبير يُجبرك على قول ذلك. أما إذا أردت قياس مدى نزاهة المتحدث في أي موقف، فما عليك سوى مراقبة طريقته في البرهنة على ما يقول. هل يلتزم بالتركيز على الواقعة، تعريفها بشكل واضح واتخاذ الموقف بصورة حاسمة، أم يبتكر طرقًا ملتوية؛ لتلطيف الجريمة وخلق متاهة تنتهي بتفسخ الموقف وقلب المنطق كليًا. تتبع أسلوبه في حياكة المرافعة، ولسوف تنكشف لك الفضيحة."مقالة عيدروس" نموذجًا، إذ تجد نفسك أمام نهج واضح يكشف أساليب البشر في موارة الحقيقة، تشويش المبدأ القانوني ؛ بل واستغفال الناس. كما حاول الرجل أن يفعل. 

مجموعة مسلحين لا يعلم المرء ما الذي جاء بهم ولماذا منحوا أنفسهم الحق باقتحام مقر رسمي، ثم ما هي المرجعية القانونية التي تتيح لهم ذلك. دعك من أن المكان رمزية لسيادة الدولة، فحتى لو كان حوش منزل مهجور أو منتجع سياحي، يتوجب أن يحوز الأشخاص تصريحًا للدخول. أما ونحن أمام قصر رئاسي فالجريمة تكتسب بعدا صادمًا. هذه هي الواقعة، وتلك عناصرها. أمام موقف كهذا، سيقول لك أي شخص يحترم نفسه. نحن أمام فعل، مدان، مدان، مدان. قبل أي بحث في تفاصيل هوية المسلحين وهوية رئيس الوزراء وقبل فتح مساحة لتقييم الرجل وبعيدا عن كل المفردات الأخرى. شمال وجنوب ووحدة وانفصال وكل المبررات المستدعاة بشكل قسري ودونما حاجة لذلك. 

كان يمكن أن يكتفي محامي المسلحين" عيدروس"، بقليل من الأسطر لحسم الموقف. لكنه أبان لنا، كيف تكون، طرائق التضليل. كيف تكتشف بسهولة ماذا يمكن أن ينتج حين تغيب النزاهة. فإذا فقد المرء ضميره، فكل شيء قابل للتبرير. يكفي أن يهمل الرجل جوهر القضية ويذهب في رحلة استكشافية فارغة، يتخبط شرقًا وغربًا، ويحدثك عن غياب الخدمات وعن نفط الجنوب وعن المصالح المترابطة بين رئيس مجلس النواب والحكومة، ثم ماذا..؟ هل نسيتم حرب 94..؟ويذكر الناس بها، حتى ولو لم يكن أحد قد أنكرها أو نساها. لكن لماذا يفعل كل ذلك.  ؟الجواب بسيط: هي هكذا طرق الأشخاص في كل المواقف الفاقده للنزاهة، يلوذون بالأحابيل والشراك البعيدة ليحتالون على الموقف؛ لكنهم يكشفون أنفسهم أكثر مما هو منكشفين. 

تحدث عيدروس عن الوحدة، إنها الموضوع المتكرر لكل من يرغب بممارسة نوع من الابتزاز. لكأن إشهار قضية الوحدة، يمنح المرء مشروعية للبلطجة. فيما الحقيقة أن الرجل لا يضر بالوحدة بسلوكه هذا، بل يسئ حتى لفكرة الإنفصال نفسها ويثبت عدم أهلية حاملي مشروعها لأي نظام دولة مستقبلا. تشجيع عيدروس للمليشيا، يلغي فكرة الدولة من أساسها ويثبت تهمة براعتهم في الدعوة للفوضى والتلاعب بمصير الجنوب قبل الشمال. 

ولعلة نسي أن الشمال أرض وشعب وثروات، ولو استخدمنا حجته الباطلة نفسها، فعلينا تذكيره بأن ثروة الشمال اكتشفت قبل الجنوب، ولا يستطيع أحد نكران الروابط التاريخية والطبيعية بين أراضي الوطن الواحد، قبل أن يولد عيدروس نفسه؛ لكننا لا نفضل أن نستخدم مبررات كهذه وليس هذا مقامها. 

عيدروس ليس ناشطًا مبتدئًا في عمله، هو شخصية يفترض أنه يحمل صفة برلمانية، وينحاز بشكل قاطع ضد كل سلوك يخالف قواعد الحكم ومبادئ القانون؛ لكنه تصرف بشكل يُناقض صفته. لقد حاول شرعنة سلوك مختل، ونسي أنه بذلك يُجرد نفسه من أي مشروعية أكثر مما يستطيع أن يهب المسلحين غطاءً يمرر سلوكهم. فنحن إزاء سلوك عاري، لا يستطيع أي إنسان يحترم نفسه أن يجتهد لمواراة سوءة فاعليه. 

ظهر عيدروس للدفاع عن سلوك المسلحين، لكنه كشف عدم أهليته حتى لمهمة مخجلة كهذه. كان بمقدوره أن يوصي حلفاء قضيته أن يمارسوا سلوكا سياسيا مدنيا فيما لو أرادوا الاحتجاج. أعني عضو مجلس الرئاسة/ أبو زرعة المحرمي والمسلحين التابعين له. يمكنهم سحب وزراءهم من الحكومة والاستقالة من عضوية المجلس الرئاسي، على الأقل سيكون هذا سلوكًا جديرا بالاحترام؛ لكنهم يرغبون أن يتمسكوا بصفتهم الشرعية، ثم يمارسون عبثًا رسميا بها. هذا الازدواج، هو سلوك عبثي، وفهلوة مكشوفة. فلا هم يؤمنون بالشراكة القائمة ع النزاهة والضمير الصادق والإرادة الموحدة ولا قادرين أن يحققوا للجنوب ما يرددونه من أوهام. 

الخلاصة: في طريقته للدفاع عن سلوك مليشاوي فاضح، كان مبرر عيدروس، هو أن المسلحين، يطالبون بمستحقات ترميم كلية عسكرية. ومع أنه مبرر عاجز عن تلطيف وقاحة الحادثة؛ لكن الغريب أن السياسي الحصيف، لم تُسعفه حصافته الغائبة، كي يتذكر أنه في اللحظة التي يدافع فيها عن أحقية منشأة حكومية، مدنية كانت أو عسكرية، هو يقوم بتهديد وجودي للمظلة الإدارية الأساسية. أعني مؤسسة الحكومة ورئيسها. 

بهذا يكون الرجل محاميًا وبطريقة مغلوطة عن تفريعة صغيرة داخل جهاز الدولة، في الوقت الذي يبرر للعناصر المنفلتة تهشيم الصورة العامة لجهاز الدولة بالكامل. 

قصر المعاشيق، باعتباره المكان المركزي الضابط للنظام العام. إن لم تكن هذه هي المهزلة في أكثر تجلياتها العبثية، فلا معنى لأي منطق بعد الآن.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي