لا يُزايد أحدٌ على أحد!

د. علي العسلي
الخميس ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٥٧ مساءً

 

ننتقد الشرعية، ونسعى إلى إصلاح اعوجاجها، وتعديل مسارها، وربما تغيير بعض قادتها، لكننا لا نفرّط بها مطلقًا؛ فهي الإطار الشرعي والقانوني الذي يمكن من خلاله الخلاص من كابوس الحوثي، هذا الكيان المنحرف الذي أجرم بحق اليمنيين، وشوَّه الإسلام، وحرَّف شرع الله.

نحن مع سلطتنا الشرعية، حتى لو اختبأت في جوف شجرة "الغريب" التي انفجرت غيظًا من هذه الشرعية، لأنها أهملت اليمنيين، ولم تحررهم من عصابة إرهابية، ولم تحافظ على أرواحهم، بل وصلت إلى حدّ إهمال نفسها، فتشققت الشجرة التي يتجاوز عمرها ألفي عام من هول تصرفات الشرعية!

سنظل متمسكين بشعرة الشرعية حتى الخلاص واستعادة الدولة اليمنية الجامعة... فلا مزايدة! لن نتخلى عنها حبًّا فيها، بل كرهًا لمشروع الحوثي ومعتقده التدميري، العنيف، والإرهابي!

الحوثي لا يطمح فقط إلى حكم اليمن، بل يريد إذلال الناس، وإجبارهم على تقديس ملازم حسين بدر الدين، واعتبارها المرجع الأعلى فوق القرآن الكريم!

يريدوننا أن نؤمن بأن "علم الهدى" – بزعمهم حسين – يفهم القرآن أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن! لعنة الله على من يروّج لذلك.

أتقبلون، يا أبناء اليمن، أن يحكمكم هذا "الدعيّ ابن الدعيّ"؟ لا والله!

وحتى لو هرول المتخاذلون نحو الحوثي وشاركوهم الحكم، فلن يقبل اليمنيون بذلك، وسيقاتلونهم ومن يوقّع معهم.

نعم، انتشرت مؤخرًا مقاطع لأحد أعضاء مجلس القيادة، سُرّبت بغرض الفتنة – كما قال ناشرها – ثم اعتذر وصحّحها بمقطع آخر تبريري، أغرب من الأول.

لكن بعض ما ورد فيهما صحيح تمامًا، كمن يدّعي النضال وهو في الواقع يبحث عن لجوء سياسي، وأن الالتزام باتفاق ستوكهولم جعل القوة في الساحل الغربي مكشوفة إلى حدٍّ ما!

لقد أثارت هذه المقاطع حماستي، ومع أنها نُفيت، إلا أنني لم أتوقف عند النفي، بل ناقشت الظاهرة هنا بعين ناقدة.

إذا كان جزء كبير من اليمن قد تحرر، وإن كانت عدن عاصمة مؤقتة، فالمفترض أن تكون مقرات الدولة ومؤسساتها – من مجلس القيادة إلى الحكومة والوزارات والأحزاب – جميعها في عدن.

وينبغي دعوة الدول كافة لفتح سفاراتها في العاصمة المؤقتة عدن.

على أن يتزامن ذلك مع تحريك الجبهات، لا توقفها؛ فالتوقف من دون روزنامة واضحة للهدنة تتضمن فك الحصار، ودفع رواتب الموظفين، وإطلاق الأسرى (الكل مقابل الكل)، وباقي ما تم الاتفاق عليه، يعني الإقرار والتسليم بسلطات الأمر الواقع، وهذا مرفوض رسميًا وشعبيًا.

بعد تشكيل مجلس القيادة، كان من المتوقع أن يدير أعضاؤه المرحلة الانتقالية من قصر المعاشيق دون عراقيل، وكذلك باقي المؤسسات الدستورية والحكومة.

ومع أن حادثة اقتحام مقر طارق صالح في قصر المعاشيق من قبل مسلحين يتبعون "الانتقالي"، وإنزال العلم اليمني والاحتكاك مع حراسه، كانت صادمة، إلا أنه بعدها اختار الانطلاق من المخا، وأنشأ المطار لتحركاته الخارجية...

فكم مرة زار عدن بعد تلك الحادثة؟

وكم مرة زار اللواء الزبيدي تعز أو المخا؟

وكم مرة زار اللواء العرادة شبوة، أو عدن، أو حضرموت، أو المهرة؟

وهل يمارسون فعليًا صلاحياتهم؟ أم أنهم مقيدون جغرافيًا حتى في أوامرهم وتوجيهاتهم؟

ونفس الشيء ينطبق على بقية أعضاء المجلس، باستثناء الرئيس...

فليتوقف الجميع عن المزايدة خصوصًا عند اقتراب الاستحقاقات، فالتاريخ لا يرحم.

لا يحق لأحد أن يزايد على الآخر، طالما أن من في الداخل متجمدون لا يتحركون، بل يتراجعون بحجة "إعادة الانتشار" مئات الكيلومترات، وسقطرى تختلف إدارتها عن عدن، وشبوة تختلف عن مأرب، والمخا تختلف عن حضرموت، وحضرموت تختلف عن المهرة، وصنعاء وباقي المحافظات مغتصبة!

ومن في الخارج لا يحققون اختراقًا سياسيًا أو دبلوماسيًا أو عسكريًا لإنهاء الانقلاب الحوثي.

بعض الموجودين في الداخل لا يقدمون نموذجًا مشرفًا، ولا يجلبون للناس إلا الإحباط. تشمّ رائحة العنصرية والمناطقية تفوح في كل مكان، وتجد بعض المتنفذين يتصرفون بشكل مؤذٍ ومهين للكرامة الإنسانية، وخارج إطار القانون. فلا نموذج، ولا نظام، ولا قانون يُطبَّق.

أما من في الخارج، فلم يتابعوا جديًا مع التحالف، وبالأخص مع السعودية، لتحقيق ما تعهدوا به من تدخل، ولم يسعوا جديًا لتسليح الجيش الوطني، حتى بات عاجزًا عن حماية المنشآت النفطية وموانئ التصدير.

عشر سنوات مضت، والحوثي لا يزال حاضرًا، يفرض معادلاته على الجميع.

كفى انقسامًا!

آن أوان التوافق على رؤية وطنية موحدة، تنطلق من عدن، أو حتى من حكومة منفى، لاستعادة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي الذي اعتدى على الدولة، وعلى الشعب، وعلى الجيران ومصالحهم.

هل تدركون ما يحدث؟ أم ما زلتم تائهين؟

وعليه، فإننا ندعو السلطة الشرعية الحالية إلى أن تنهض بمسؤولياتها التاريخية، وأن تتحرك بجدية ووضوح ضمن مدة زمنية قصيرة، لأن الوقت يمر لصالح الحوثي.

فإن استمرت في تخاذلها وترددها، فلا بد حينها من حامل شعبي وطني جديد، لا يميل إلى مشروع الحوثي الكهنوتي، ولا إلى سلطة عاجزة متقاعسة، بل يتبنى مشروع الدولة اليمنية المدنية العادلة، ويقود معركة استعادة الوطن بإرادة شعبية صلبة لا تلين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي