في ظل تصاعد التوترات الإقليمية،
لا سيما بين الولايات المتحدة وإيران، تبرز اليمن كساحة من ساحات الصراع غير المباشر بين الطرفين. فالمفاوضات المتقطعة بينهما، التي تُجرى خلف الكواليس وبعيدًا عن الأضواء، تُلقي بظلالها القاتمة على المشهد اليمني، حيث يبدو أن كل جولة تفاوضية فاشلة تُترجم على الأرض بقصف أو استهداف مباشر للبنية التحتية، وكأن هذه الأرض أضحت ميدانًا للعقاب الجماعي وتبادل رسائل القوة!
هذا المقال يستعرض ثلاث جولات تفاوضية غير مباشرة، قد يكون ثمن فشلها دماءً يمنية، وتدميرًا لثلاثة موانئ هامة.
الجولة الأولى: في عُمان...
وميناء رأس عيسى هو الثمن!
انطلقت أولى جولات التفاوض بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان، لكن مؤشرات الفشل لم تتأخر كثيرًا، ولم تُعلن عبر بيانات رسمية، بل عبر قصف عنيف استهدف ميناء رأس عيسى، أحد أبرز الموانئ النفطية في اليمن.
لقد طال القصف خزانات الوقود والعمال المدنيين، فسقط الضحايا من السائقين والموظفين والعاملين، وسُفكت الدماء تحت ذريعة "التأديب".
وهكذا، عندما تغضب واشنطن، تتقمص دور الكيان الصهيوني الذي أنشأته، فلا تميّز في انتقامها بين عسكري ومدني، ولا بين ميناء ومنشأة إنسانية!
الجولة الثانية: في روما...
وميناء الحُديدة الضحية هذه المرة!
الجولة الثانية من التفاوض انعقدت في العاصمة الإيطالية، روما. وما إن انتهت، حتى جاء الرد العنيف مجددًا، قصفًا وتدميرًا. استهدفت الضربات ميناء الحُديدة الحيوي ومطارها، فأُخرجا من الخدمة تمامًا. بل تجاوزت الضربات ذلك، لتطال العاصمة صنعاء وغيرها، حتى قيل إن المقابر لم تسلم من القصف!
وكأن كل فشل تفاوضي يستوجب "تأديبًا" في الجغرافيا اليمنية، لا الإيرانية، رغم أن الطرف الآخر في التفاوض لم يُمسّ بسوء!
الجولة الثالثة: مرتقبة...
تمنياتنا ألا يكون ميناء الصُليف هو الهدف الثالث...
بحسب ما تسرّب من معلومات، فقد تقرر أن تُستأنف المفاوضات بين الأمريكيين والإيرانيين مجددًا في مسقط، حيث سيلتقي الخبراء يوم الأربعاء، على أن يُعقد اللقاء الرسمي بين الوفدين يوم السبت المقبل.
لكن، ما يُثير القلق حقًا، هو احتمال أن يُترجم فشل هذه الجولة – إن حدث – بقصف ميناء يمني ثالث.
نخشى أن يكون "ميناء الصليف" هو الضحية القادمة، لتكتمل بذلك ثلاثية الاستهداف الأمريكي للموانئ اليمنية، في وقتٍ لا تُمس فيه طهران أو وكلاؤها بأي ضرر مباشر!
ختامًا... مفاوضات على حساب اليمنيين، فأيّ مستقبل يُراد لنا؟
المشهد بات واضحًا... فكلما تعثّرت المفاوضات، كان الثمن يُدفع من دماء اليمنيين ومن بناهم التحتية، بينما تُدار الحوارات في عواصم مستقرة وآمنة.
ومن المؤسف أن كل ذلك يحدث تحت أنظار "الشرعية" التي باتت غائبة أو مُغيبة، فلم نعد نسمع عن اجتماعات لمجلس القيادة الرئاسي، لا لترتيب البيت الداخلي، ولا للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، ولا حتى لفرض هيبة الدولة في المناطق المحررة.
بل إن القصف الأمريكي الأخير دفع السفن التجارية إلى التوجّه نحو ميناء عدن، لكن حركة المواطنين من الشمال إلى الجنوب جوبهت بمنع من "الانتقالي"، الحاكم بأمره لعدن وما جاورها!
فكيف لشرعيةٍ بهذا الحال، فاقدة للمبادرة، أن تبني دولة؟! لقد أصبحت كالمواطن العادي، يتابع ما يجري من قناتي "العربية الحدث" و"الجزيرة"!
استعادة زمام المبادرة الوطنية
الحل لا يكمن فقط في رصد الضربات والنتائج، بل في حماية حرية وحركة جميع اليمنيين، وفي استعادة زمام المبادرة الوطنية، من خلال لملمة الصف الداخلي، وبناء موقف يمني موحد يمنع تحويل اليمن إلى ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين.
نحن بحاجة إلى أن يصحو أيضًا "الوكيل الحصري لإيران في اليمن"، فهل هذه الضربات العنيفة، والتي لا شك ستصل قادته، ستوقظه؟ أشك في ذلك، فهو لا يزال في غيّه يتهم ويخوّن ويستعدي ويهدد تشكيلات من الشرعية وكذا الجيران...
وعليه أن يدرك أن المراوغة والمناورة قد تُطيل أمد الضربات، وتُجهز على ما تبقى من بنى تحتية وأعيان مدنية لا أكثر.
فلْيتحلَّ بالشجاعة والجرأة، ويُقدّم التنازلات للشعب اليمني، ويفاجئ الجميع بموافقته على تسوية سياسية تحفظ لليمن أمنه وسيادته واستقراره، وتُبقي على ما تبقى من منشآته. وبهذا يُغيظ من يعتبرهم الأعداء، وقد يستطيع بذلك أن يُوقف هذا القصف الوحشي الظالم ضد شعبنا اليمني!
وعلى أن تتضمن التسوية اتفاقًا يُنفذ فورًا على هدنة سياسية واقتصادية، مدعومة سعوديًا ودوليًا، تُخرج اليمن واليمنيين من دائرة الضغط الاقتصادي بعد هذا القصف المؤثر، شريطة أن تُعيد لليمن قراره السيادي بعيدًا عن الوكالات والمصالح العابرة للحدود.
-->