لا يختلف اثنان على أن اليمن يمر بأسوأ مراحله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث بات الشعب مغلوبا على أمره يدفع ثمن صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، في ظل استمرار حالة التدهور التي تراكمت عبر سنوات من الحروب والانقسامات. لكن المثير في المشهد هو تصاعد الحملة ضد دولة رئيس الوزراء وكأنه المسئول الاوحد عن فشل الحكومة ومعاناة الشعب متجاهلين أن الأزمة أعمق وأوسع من أن تُختزل في شخص او منصب بعينه. إذا تأملنا الواقع، سنجد أن الإشكالية الحقيقية ليست مجرد أداء فردي لرئيس الحكومة بل انها في طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة والولاءات حيث يتم تعيين الوزراء وفقاً لانتماءاتهم السياسية والمناطقية وليس بناءً على الكفاءة والخبرة و هذا النهج أدى إلى إنتاج حكومات هشة غير منسجمة وغير قادرة على مواجهة التحديات بفعالية مما أسهم في تراكم الأزمات واستفحالها إلى جانب تفشي الفساد وغياب آليات المحاسبة والمساءلة الحقيقية، بالإضافة الى حالة عدم الانسجام الواضحة داخل مجلس القيادة الرئاسي ذاته، حيث يبدو أن أعضاؤه ما يزالون مقيدين بالجهات التي أوصلتهم إلى السلطة وهو ما يحدّ من قدرتهم على اتخاذ قرارات وطنية خالصة بعيدًا عن الضغوط الخارجية والتوازنات السياسية.
وهنا يبرز السؤال الأهم: هل يدرك هؤلاء القادة أنهم مسؤولون عن وطن وشعب بأكمله أم أنهم مجرد أدوات لتنفيذ أجندات معينة تخدم مصالح محدودة على حساب المصلحة الوطنية؟
انه من المؤسف حقا أن الوطنية تحولت لدى الكثير منهم إلى مجرد شعار يُتغنى به في الخطابات السياسية، بينما تعكس الحقائق على الأرض واقعًا مختلفًا تمامًا، بحيث اصبحنا أمام مشهد سياسي لا تحكمه المصالح الوطنية، بل المصالح الضيقة للأحزاب والجماعات والجهات الخارجية التي تدعمها، فكل مسؤول يتصرف وفق حساباته الخاصة، لا وفق احتياجات المواطنين و كل طرف سياسي يسعى لتحقيق مكاسبه حتى وإن كان الثمن هو استمرار معاناة اليمنيين الذين أرهقتهم الأزمات المتلاحقة.
ان أخطر ما يواجه اليمن اليوم هو محاولة خلط الأوراق السياسية على حساب الثوابت الوطنية حيث باتت المصالح الحزبية والفئوية تتغلب على المصلحة العليا للوطن ولم يعد هناك إجماع وطني حقيقي حول القضايا المصيرية بل أصبح كل طرف يسعى إلى فرض أجندته الخاصة ولو كان ذلك على حساب وحدة البلاد واستقرارها. فكيف يمكن إنقاذ بلد يُدار بسياسات متناقضة ومصالح متعارضة دون وجود رؤية وطنية جامعة تُلزم الجميع بمحددات واضحة.
اذا اردنا حقيقة النهوض باليمن فإن الامر يتطلب وجود حكومة تمتلك رؤية وطنية خالصة قادرة على تجاوز قيود المحاصصة والولاءات السياسية والمناطقية وان تعمل بانسجام كفريق واحد لخدمة الوطن والمواطن، لا لخدمة القوى التي دفعتها إلى السلطة. وهذا لن يتحقق بدون إجراء إصلاحات سياسية شاملة، تضمن تعيين القيادات وفقًا للكفاءة والنزاهة، وليس بناءً على التبعية السياسية أو المناطقية.
كما ينبغي إعادة تعريف مفهوم المسؤولية، بحيث لا يكون المنصب مجرد تكليف شكلي يُدار من خلف الكواليس، بل مسؤولية فعلية تتطلب المحاسبة والمساءلة في حال الإخفاق ولذلك فإنه من المعيب تحميل رئيس الوزراء وحده مسؤولية الفشل لانه تبسيط مخلّ للمشكلة، بل ان الأزمة أكبر وأعمق من ذلك و تتطلب إرادة سياسية حقيقية للتحرر من قيود الولاءات الضيقة وللخروج من هذا النفق المظلم ووضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار وحتى يدرك المجلس الرئاسي والحكومة ذلك ، شتبقى معاناة الشعب هي الثابت الوحيد في هذا المشهد المتغير.
-->