اللهم اجعله سوء فهم فعالاً: المسلسلات التلفزيونية الرمضانية والإلحاح على الاستسهال! (الحلقة الأولى)

د. هاني جازم الصلوي
الأحد ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٧:٣٥ مساءً

 

يستغرب كثير من نقاد الدراما اليمنية من المفرطين في التشاؤم، متابعة اليمنيين من أقاصي الشرق حتى أقاصي الشمال والجنوب، من حماس المشاهد اليمني ومتابعته للمسلسلات اليمنية، والرمضانية منها خصوصًا!: لماذا يثيرون كل هذه التفاعلات حول المعروض؟! لمَ يتحلقون وقت العرض حول الشاشة؟! هذا من جانب، ومن آخر: لماذا يقومون بكل هذا بينما يسيطر على الوطن وأهليه سوء العيش، وحالة البلاد الدفاعية ضد أعدائها، التي هي في غاية السوء، وانعدام الأمن، والأحوال المادية بائسة، وضياع الفرص، وانتهازيات جُل الساسة، ووو... إلخ؟!، كيف يجدون الوقت؟!

 

والواقع أن هذا الاستنكار الاستفهامي، إن حدقنا جيدًا في المشهد، سيؤدي بلا شك إلى حجة قوية مخالفة، فنتيجة نقيضة تمامًا لما يقوله هؤلاء وغيرهم من المثبطين، فليس ما يعتمل داخل مواطننا من خيبات يؤججها كل لحظة فاعلوه السياسيون وعدم الإدراك العام، من الفعاليات الساذجة والتقريرية الحاملة لبذور تغافلها وتجاهلها واعتبارها عابرًا من المستحسن عدم إيلائه الاهتمام، بل إنها فعاليات وممارسات في غاية الخطورة، ومن هنا وجب الالتفات إليها ومناقشتها بجدية، فاليمنيون، بجانب احتياجهم إلى قصة يعيشون معها ردحًا من الزمن، قصة تنتشلهم من واقعهم المر كون، فالشعوب التي لا حكايات لها تموت من البرد" حسب العبارة رائجة التداول هذه، إذ يعيش اليمنيون خلال فترات المسلسل الوجيزة، بعض التغلب على الواقع البائس وتجاوزه؛ ينتصرون من خلال هذه الأعمال، رديئة كانت أو متفوقة، ليقولوا لأنفسهم، داخل ورطتهم الوجودية، : إن لم تنتصر الشرعية اليمنية على الميليشات الحوثية منذ سنوات، فمما لا شك فيه أن أبطال مسلسلاتنا من الصالحين سينتصرون في نهاية رمضان، إنَّ "عبد الرحمن الجمال"أدى دوره الممثل محمد الأموي"" في مسلسل بيت الجمالية المعروض على "يمن شباب"،سوف ينتصر في نهاية شهر رمضان على" عوض هاشم""، وعلى عمران، وراجح "هديل عبد الحكيم"، و"شاكر"، سوف تتمكن أروى"سالي حمادة"، ومعها أهل القرية من الانتصار على المتنفذ حارث نعمان "نبيل حزام"، في طريق إجباري "بلقيس"، سوف ينهزم الشيخ راجح"عبد الله يحيى إبراهيم"، أمام إصرار درة"أماني الذماري"في مسلسل درة"عن قناة المهرية"، كما أن أهل البادية الديرة في مسلسل"دروب المرجلة الجزء الثاني"قناة السعيدة، سيخلِّصون قبيلتهم من قاطع الطريق فزاع"مطهر رحيمان"، وقل نفس التفسير عن مسلسل "بيت وقف" في عدن المستقلة، حيث سينتصر أصحاب البيت على أطماع عاقل حارتهم في السيطرة على بيت عائلتهم، وسيكشفون كل ألاعيبه!

 

يحتاج أهل بلادنا، المستباحة، إلى سردية لا تأخذ سوى شهر من الزمن، على العكس من سردية تحرير اليمن التي لا يعرفون طريقة لحدوثها أو لتحققها، إذن!، ستقول معي، ولكن ماذا عن النصوص التي تشكلت منها هذه المسلسلات الرمضانية؟! أكانت في مستوى ما منحها المشاهد اليمني من وقت؟! هل أسعفتهم ببعض الوقود الروحي لمواصلة أيامهم القادمة؟! هل أسعفتهم بحكايات قابلة للتوالد في القادم؟! هل أشبعت نهمهم الإنساني؟!

 

 

مثلما قدمت هذه الأعمال نقاط ضوء عديدة لن نتغافل عنها في السطور القادمة، وقعت في إشكاليات بنائية كثيرة، يمكن مناقشتها من مستويات، وزوايا وعدسات مختلفة، فالحكاية، إن انطلقنا منها، لم تكن بالجديدة أبدًا، بل حكاية دأبت على سردها، طيلة تاريخها، الدراما اليمنية، وهو ما يعرفه المشاهد اليمني، ولا يغفل عنه، وهو يعير هذه المسلسلات كامل انتباهه، وناهيك عن تشابه حكايات دراما رمضان مع ما سبق، فحكايات مسلسلات رمضان تتشابه أفقيًا، مع بعضها داخل سرديات هذا العام، ولننظر مثلاً إلى ثيمة الهروب إلى الخال، فسنجد شاهين"صلاح الوافي"، هاربًا في ديرة خاله الشيخ"صخر" في دروب المرجلة، ومحراش"مبارك متاش" لاجئ في قرية الحصن، قرية خاله"قرية الحصن، وكذلك ياسر في المسلسل نفسه عند خاله المهرب عمران، أما في بيت وقف فقد عادت سميحة وابنها وابنتها"رويدا الربيح"، إلى بيت والدها"البيت الوقف" للعيش مع إخوتها وأختها، وإن اختلف الغرض هذه المرة، ما يعني أن ولدها وابنتها سيعيشان عند خاليهما؛ نشوان عدنان"قاسم عمر"، وحيدرة" ، وعلى هذا فقس.

 

وتمثل ثيمة نهب الأراضي مكونات لحكاية عابرة للمسلسلات اليمنية، فليس ثمة مسلسل يمني لا تحضر فيه بقوة، مع اختلاف بسيط في التناول،

 

يأخذ مسلسل درة على عاتقه متواليات عدة لهذه الحكاية، فكل حركة المسلسل متوقفة عليها، على الأراضي التي يريد الشيخ جراح الحصول عليها، من أجل بناء مصنع، وقد بلغ حضور هذه القصة حد تغطيته على ما كان من الممكن أن يشكل قضية المسلسل الرئيسة، وأعني قضية المرأة ونظرة المجتمع إليها، القضية التي كرس لها المسلسل كامل ميكانيزماته وفشل في جعلها القضية الأساسية، حيث درة التي أبدعت أماني الذماري في تجسيد شخصيتها، فغدت أطماع جراح هي قضية المسلسل الأبرز، أما مسلسل"بيت وقف" فتتمحور قصته في رغبة عاقل الحارة ووراؤه متنفذ كبير، في بيع بيت إحدى العائلات، من أجل الحصول على عمولة كبيرة.

 

ولا يختلف الأمر مع الجمالية، حيث استطاع عوض هاشم السيطرة على عدة قرى من خلال شراء أراضيها، وعجز عن شراء أراضي قرية الحصن، وهو أمر تسابق فيه مع عدل القرية عبد الكافي"فهد القرني"، مع اختلاف النية، وعبد الرحمن، كما تمثل في تسبب خلاف على الأرض بين سعفان وأخيه قاسم، على أرض موروثة لهما، مما جعل سعفان يلغي خطوبة ابنته بدور من ياسين ابن قاسم، وأخذت القضية موضع الخلاف هذه زمنًا طويلاً من المسلسل، وحارث نعمان في طريق إجباري، يقوم بإقراض الناس المال، وعندما يحين موعد التسديد، يجبرهم على بيع أرضهم له، وتزويجهم إياه بناتهم القاصرات، كما أن خلافه مع عدوه لاحقًا"أبو صقر"" الدعيس"، ليس سوى على شراء الأراضي، وهي قضية تمحورت حولها حياة حارث نعمان بكاملها، فأساس خلافه مع ابنه المضطرب نفسيًا غانم"نبيل الآنسي"، هو سلوك حارث الشائن، مع زوجته الشيخة مريم أم غانم، وقتلها رميًا في البئر، بحضور ولدهما غانم، من أجل الحصول على أموالها الكثيرة، وأراضيها، ويتعدى الموضوع حتى إلى مسلسل فكاهي، من ٢٣ حلقة، هو "عرسان الهناء" "قناة السعيدة"، والذي وإن كان إلا القليل منه مستنسخًا من مسلسلات عربية مشابهة عن الثيمة نفسها، حيث مبروك "الجماعي"، المتطفل كان قد سطا على أرضية خالته زوجة أبيه شكرية"رأفة صادق"، وأجبره موقف ما على إعادتها إليها.

 

وإذ نؤكد على كيف وقعت دراما رمضان في فخاخ من التماثل، فلست أهدف عدا إلى لفت الأنظار، إلى معضلة أن يقع منتجو هذه الأعمال في هكذا معضلات، بينما يعيشون في بلد باذخ الثراء بالحكايات والقصص، هو اليمن، وهل لنا غير ذلك!، حيث تعد بلادنا مخزنًا لحكايات الإنسانية، فهي بلاد الأسلاف، كما تقول بعض نقوش الحضارات القديمة المعاصرة لحضاراتنا الأولى، وهو ما يتناغم مع مقولة بسيطة من أن اليمن أصل العرب، ولننظر حديثًا إلى تغريبة اليمني، وتوزعه في الأسفار، وهل كان معاوية ابن أبي سفيان، بالتزامن مع مسلسل معاوية، سيمارس جلساته الحكمية، والسياسية، لولا مرويات عبيد بن شريه الجرهمي، ووهب ابن منبه؟! الكتاب اليمنيون كثر كثر، وكان من الممكن جدًا العمل على نصوصهم.

 

لقد تشابه البقر علينا!، وتطابقت حكايات أعمالنا الدرامية، وما أشرت إليه ليس سوى بعض نماذج بسيطة، بإمكان متتبع بسيط أن يجد الكثير منها، وهو نقاش يقودنا إلى النص نفسه الذي بنيت عليه هذه الأعمال، النصوص نفسها؛ هل اعتمدت المسلسلات موضوع التداول نصًا متشابهًا؟! هل انبثقت عن نصوص جيدة أو لا؟!

 يدرك الناظر المدقق، وغير المتفحص، افتقار أعمال رمضان، إلى نص متميز، وثري، مكتوب أو منشأ بعناية فائقة، وتتشابه قصة النص هنا، مع ما ذكرناه عند الحديث عن الحكاية، فكما طرحنا لحظتئذٍ كيف كان من الممكن الإفادة من كتاب القصة والرواية في اليمن من أجل تقديم حكاية جديدة، يمكن سحب الاقتراح نفسه على قضية النصوص في المسلسلات اليمنية، فلمَ لم ينتبه منتجو تلك الأعمال إلى الكاتب والسارد اليمني؟!

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي