خلال فعالية فكرية نوعية، في مدينة تعز، نظمها منتدى المقاومة الأسبوعي، أكد باحثون وأكاديميون ان المقاومة الشعبية هي الخيار الوطني لإنهاء انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران
وتناولت المقاومة من زوايا تاريخية وسياسية وثقافية، من خلال ثلاث أوراق علمية قدّمها نخبة من الباحثين والأكاديميين، شددوا على أن المقاومة الشعبية ليست مجرد رد فعل، بل خيار تاريخي ووطني أصيل في مواجهة مشاريع الاستبداد والكهنوت السلالي، وسبيل الشعوب الحرة في انتزاع حريتها وكرامتها واستعادة دولتها.
المحور الأول
في المحور الأول من المنتدى، الذي ينعقد أسبوعيًا في مقرّ الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، قدّم عضو مجلس المقاومة الشعبية بتعز، "عبدالله حسن خالد"، ورقة بعنوان "المقاومة حول العالم"، تناول فيها مفهوم المقاومة تاريخيًا وسياسيًا، مؤكّدًا أنها حق إنساني أصيل ضد الاستبداد والاحتلال، ومسنود دينيًا وقانونيًا، بما في ذلك قرارات أممية.
واستعرضت الورقة أشكال المقاومة، من السلمية إلى المسلحة، وشروطها من حيث المشروع السياسي، التنظيم، القيادة، والالتزام بحقوق الإنسان، وتطرقت إلى نماذج بارزة من حركات المقاومة حول العالم، منها:
- المقاومة التي قادها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ضد قريش
- الثورة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني
- المقاومة الأوروبية ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية
- المقاومة الفيتنامية ضد الولايات المتحدة
- المقاومة الجزائرية بقيادة عبدالقادر الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي
- المقاومة الليبية بقيادة عمر المختار ضد إيطاليا
- المقاومة اليمنية ضد الاستعمار البريطاني والإمامة
- المقاومة المصرية ضد الاحتلال البريطاني
- المقاومة في جنوب أفريقيا بقيادة نلسون مانديلا ضد نظام الفصل العنصري.
كما أبرزت الورقة نماذج معاصرة، منها المقاومة السورية التي بدأت سلمية عام 2011 وتحولت إلى كفاح مسلح، وانتهت بإسقاط نظام الأسد عام 2024 ، إضافة إلى المقاومة الفلسطينية الممتدة منذ وعد بلفور، والتي تجددت بأسطورة طوفان الأقصى، مؤكدة استمرار النضال رغم العدوان والخذلان الدولي والعربي، فضلا عن المقاومة الشعبية في اليمن التي انطلقت بقيادة الشيخ حمود سعيد المخلافي، والتي أصبح يمثلها المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية برئاسة الشيخ حمود المخلافي.
واختتمت الورقة بالتأكيد على أن المقاومة هي السبيل لاستعادة الحقوق وتحقيق الكرامة، وأن الشعوب الحرة لا تموت، بل تخلّدها تضحياتها في ذاكرة التاريخ.
المحور الثاني
وفي المحور الثاني، ناقش الدكتور سعيد إسكندر أستاذ التأريخ في جامعة تعز، في ورقة علمية تحت عنوان"المقاومة وتحدياتها والفرص المتاحة"، السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي ساعدت على بقاء السلالة الإمامية في اليمن منذ دخول يحيى الرسي عام 280 هجرية، وصولاً إلى عودتها عبر الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014م، مؤكداً أن الصراع مع المشروع السلالي لم يتوقف منذ أكثر من 1200 عام.
وقسّم أستاذ التاريخ ورقته إلى محورين رئيسين هما :
- المحور الأول خصص لتشريح التحديات التي تواجه المقاومة الشعبية ضد المشروع السلالي الحوثي
- المحور الثاني خصص لاستعراض الفرص المتاحة أمام المقاومة الشعبية.
وقدّمت الورقة توطئة تاريخية سلطت الضوء فيها على خمسة تحديات كبرى واجهها اليمنيون في صراعهم مع السلالة، تمثلت في:
- التحدي التاريخي المتمثل بالعامل المذهبي الهادوي الذي أسس لنظرية الاصطفاء العنصري والولاية
- الجهل والعصبية القبلية التي استغلها السلاليون تاريخياً كوقود لحروبهم
- الفراغ السياسي والتوظيف الذكي لشعارات مكافحة الفساد ومقاومة الاحتلال وما يسمونه بالعدوان
- الهيمنة الاقتصادية عبر ترويج أكذوبة "الخمس" وتضليل القبائل
- الاستغلال الاجتماعي والديني لحب اليمنيين للنبي وآل بيته.
ورغم هذه التحديات، شدد الدكتور سعيد اسكندر في ورقته على أن الشعب اليمني لم يستسلم قط، بل خاض مقاومة طويلة حتى نجحوا في أعظم ثورة في التاريخ العربي المعاصر، وهي ثورة 26 سبتمبر 1962، التي أسقطت الحكم الإمامي وأعلنت ميلاد الجمهورية.
كما رصدت الورقة مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على الإطاحة بالحكم الإمامي، من بينها الاستبداد الإمامي ونظام الرهائن والإتاوات وسياسة الإفقار، والانكشاف السياسي بعد حرب 1934 مع السعودية، وظهور فئة المثقفين، والتأثيرات الخارجية كقيام ثورة 23 يوليو في مصر، التي ألهمت اليمنيين ضرورة التغيير.
وانتقل أستاذ التاريخ بعدها إلى تشخيص التحديات التي تواجه المقاومة الشعبية اليوم، بعد عودة الإمامة بثوب الحوثي، مشيرًا إلى وجود ثلاث جبهات مقاومة: الأولى في المناطق المحررة، الثانية داخل مناطق سيطرة الحوثي، والثالثة في أوساط المهاجرين والمغتربين والناشطين اليمنيين حول العالم.
ومن أبرز التحديات التي استعرضتها الورقة، هي التحدي النفسي المرتبط بالإحباط ، تشتت الصف الوطني وحاجة المقاومة إلى توحيد قواها في كل أنحاء اليمن ، التحدي السياسي والتحدي العسكري المتمثل بالدعم والتسليح بما فيها الجوي، إضافة إلى التحدي الأمني، وضعف الإمكانات والقدرات الاقتصادية التي تتطلبها عملية التحرير.
وختم الدكتور سعيد اسكندر ورقته بتأكيده أن المشروع السلالي لا يملك مقومات البقاء، إذا ما توفرت للمقاومة الشعبية شروط النهوض، وتم الاستثمار في الوعي الوطني، وتوحيد الصف الجمهوري، داعيًا إلى إحياء روح سبتمبر، وتكرار تجربة اليمنيين التاريخية في مواجهة الكهنوت والاستبداد السلالي حتى إسقاطه من جديد.
المحور الثالث
وفي المحور الثالث، أكد الدكتور عبدالله محمد سعيد، أستاذ اللسانيات المشارك في جامعة تعز، في ورقة بعنوان "ثقافة المقاومة" على أهمية المقاومة الشعبية في ظل التحديات التي تعصف باليمن، موضحًا أنها عبارة عن حراك غير رسمي ينهض بواجب الحماية الوطنية حين يغيب أو يضعف الدور الرسمي، أو حين يحتاج إلى إسناد.
وأشار إلى أن بروز المقاومة الشعبية جاء نتيجة لجملة من المخاطر التي ظهرت خلال العقد الأخير، عقب الانقلاب الحوثي، تتمثل في المساعي الرامية لتجريف الشرعية، ومصادرة القرار الوطني، إضافة إلى التدخلات الخارجية والانشقاقات الداخلية، إلى جانب إنشاء ميليشيات خارج مؤسسات الدولة الرسمية، وعودة الحركات الانفصالية، تدمير الاقتصاد، وغير من المخاطر التي استدعت بروز المقاومة الشعبية.
وشدد سعيد على ضرورة أن تعمل المقاومة الشعبية على غرس مفاهيمها ومرجعيتها الفكرية والثقافية والعقدية المفاهيم في وعي أعضائها وبيئتها الشعبية.
مؤكدًا أن ثقافة المقاومة الشعبية هي ثقافة شاملة تتجاوز الأطر الحزبية والمناطقية.
وأبرزت الورقة أهمية التمسك بوحدة الجمهورية اليمنية ونظامها الجمهوري ورفض المشاريع الصغيرة، كالطائفية والمناطقية، وملشنة المجتمع، أو رهن قراره الوطني للخارج، معتبرًا ذلك من صميم دور المقاومة في مواجهة مشروع الإمامة والسلالة الذي يمثله الحوثيون.
وأكدت الورقة، على ضرورة التزام المقاومة الشعبية بشراكة وطنية واسعة مع كافة القوى والأحزاب السياسية المتمسكة بالنظام الجمهوري وبوحدة الجغرافيا اليمنية سياسيا واجتماعيًا، وإسقاط الانقلاب، واستعادة الدولة، وبناء مؤسساتها، وتحرير صنعاء وإسقاط الانقلاب، وتفكيك الميليشيات الطائفية والمناطقية، وبناء الجيش الوطني والأمني بناءً صحيحًا، وتحقيق السيادة الوطنية دون وصاية داخلية أو خارجية، وبناء الاقتصاد الوطني بناء صحيحًا، وإعادة الاعتبار للتعليم والمعلم.
ودعا الدكتور عبدالله محمد سعيد إلى أن تكون المقاومة الشعبية شاملة في أنشطتها، عسكريا وثقافيا وسياسيا وفكريا، وتتوزع على كامل الجغرافيا اليمنية، مع ضرورة إعادة بناء وجودها في مختلف المناطق المحررة، بالتكامل مع الجيش الوطني وسلطات الدولة.
وختم الدكتور عبدالله ورقته بالتأكيد على أهمية استحضار التاريخ الوطني لليمن كدولة واحدة موحدة منذ فجر التاريخ، ورفض كل المشاريع التي تسعى لتفكيك هويته الوطنية، سواء أتت من الداخل أو بدعم خارجي،
داعيًا إلى إدانة كل محاولات إعادة إنتاج الكهنوت والهيمنة السلالية على حساب وحدة الشعب اليمني ومستقبله، والعمل على إعادة الاعتبار للوحدة الاجتماعية للشعب اليمنية ومقاومة المشاريع الصغيرة القائمة على رفض الآخر من منطلقات مناطقية ومذهبية.
هذا وقد اختتم المنتدى، خلال الفعالية التي نالت استحسان الجميع، بمداخلات قيّمة من قبل الحاضرين، الذين أكدوا أن المقاومة الشعبية ليست فعلًا ميدانيًا فقط، بل مشروعًا وطنيًا، كما قدّم البعض ملاحظات ورؤى متنوعة حول سبل تعزيز المقاومة الشعبية وتوحيد الصف الوطني في سبيل استكمال التحرير، مؤكدين أن الظروف الحاليّة مواتية وتمثل فرصة استثنائية جدًا لانطلاق معركة الحسم والخلاص من الانقلاب الحوثي.