منذ سنوات عجاف، رزحت اليمن تحت نير انقلاب الحوثيين، الذين عبثوا بمقومات الدولة والنظام، وقوضوا أسس الحضارة والديمقراطية، في وجه محاولات يائسة للمقاومة والصمود. لكن اليوم، تلوح في الأفق فرصة سانحة قد تعيد لليمن عافيته المسلوبة. فالحوثيون، الذين طالما استعرضوا قوتهم، يواجهون الآن ضربات موجعة من الطيران المسيّر الأمريكي، وعمليات اغتيال وتصفية تطال قياداتهم الميدانية والعسكرية، وتدميرًا هائلًا لمخازن أسلحتهم ومعسكراتهم، بينما يلوذ من تبقى من قادتهم بالفرار والاختباء.
في هذا الظرف الدقيق، يصبح التحرك الجاد والفاعل من قبل القوات الشرعية ضرورة ملحة. سواءً بالزحف من الساحل الغربي نحو الحديدة، أو بالتقدم من مأرب باتجاه نهم وصنعاء، يجب استغلال هذه اللحظة التاريخية لاقتلاع السرطان الخبيث الذي استشرى في جسد اليمن وأنهكه.
إن المسؤولية الوطنية تقع على عاتق جميع التشكيلات العسكرية المنضوية تحت لواء الشرعية، بكافة مكوناتها السياسية، للانتفاض وفتح الجبهات بتنسيق وتواصل وتخطيط مشترك، بهدف استعادة الدولة والنظام. لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتحول هذه الفرصة إلى ساحة اقتتال داخلي من أجل مكاسب حزبية ضيقة أو بسط نفوذ.
كما يجب أن يقتصر الدور العربي للدول الفاعلة على تقديم الدعم العسكري اللازم لعودة الدولة الشرعية، لا استبدال ميليشيات بأخرى، وهو ما يخشاه الكثيرون.
إن النداء موجه اليوم بوضوح إلى القادة الميدانيين والسياسيين: هشام الأحمر في الحد الجنوبي، وسلطان العرادة وصغير بن عزيز في مأرب، وطارق عفاش في الساحل الغربي، من أجل تحرير الحديدة وصنعاء، ومكونات الإصلاح وحلفائهم في تعز لتحرير ما تبقى من مناطق تعز الأسيرة. يجب أن تنتفض جميع الجبهات والمحاور في وجه الحوثيين، الذين صنفهم المجتمع الدولي جماعة إرهابية، وتم تفعيل القرارات الأممية لملاحقة داعميهم والمتعاملين معهم.
هذا هو الوقت الأمثل، فالفرصة مواتية والدعم الدولي يبدو قائمًا.
نتذكر جميعاً كيف كادت القوات المشتركة في عام 2017 أن تسيطر على الحديدة لولا التدخل الأممي بحجة حماية الأرواح والكثافة السكانية. والجميع يعلم حجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات بحق أبناء الحديدة من التهابيين وغيرهم ممن يعيشون فيها. وبعد تلك الفرصة الضائعة، لم نشهد تحركًا حقيقيًا، بل مجرد حسرة وندم على ما كان بالإمكان تحقيقه.
اليوم، المفارقة تكمن في أن من حذر بالأمس من الاقتراب من الحديدة - الولايات المتحدة الأمريكية - هي ذاتها التي تتحرك اليوم وتسعى لتحييد الميليشيات وتقويضها. وعلى الشرعية أن تستثمر هذا التحرك وتُكمله بعملية استئصال وتطهير شاملة.
يجب أن نؤكد بوضوح أن معركتنا الآن ليست مع التحرك الإسرائيلي. الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة قضية إنسانية وقومية، ونتعاطف بشدة مع الضحايا الفلسطينيين وندين جرائم الاحتلال، لكن معركتنا الأساسية الآن يجب أن تنصب على إنهاء حكم الميليشيات التي تسلب حريتنا وأمننا وحضارتنا واستقرارنا. الحوثيون هم من حولوا حياتنا إلى جحيم لا يطاق.
لسنا معنيين بالدخول في حرب إقليمية لسنا طرفًا فيها. نحن معنيون بالخلاص من ميليشيات تريد أن تدوس على كرامتنا وتحكمنا حكمًا شموليًا سلاليًا عنصريًا مناطقيًا بقوة السلاح.
على كل يمني غيور، كلٌ حسب قدرته ومهارته وتخصصه، أن يساهم في هذه اللحظة الفارقة من أجل التحرر الوطني والخلاص من هذه البؤرة السرطانية الحوثية البغيضة. هذا هو الوقت الأنسب لتحقيق هذا الهدف.
ختامًا، وأقولها بصدق: إن لم نستغل هذه الفرصة الذهبية، فإننا لا نستحق الحرية، وبالتالي لا نستحق الحياة الكريمة.
-->