في بلد تتقاطع فوقه المصالح الدولية وتتشابك فيه الأجندات الإقليمية يقف الشعب اليمني وحيداً في مواجهة حرب لا ناقة له فيها ولا جمل ، سوى أنه يعيش على أرض غنية بالجغرافيا ومنهكة بالسياسة.
لم تعد الحرب في اليمن حرباً بين أطراف محلية فقط بل صارت حلبة صراع مفتوحة بين قوى إقليمية ودولية يدفع المواطن البسيط فيها الثمن الأكبر من قوت يومه ومتطلباته الضرورية.
فاليمن يعتبر ساحة نزاع تتسع منذ بداية الصراع في 2015م ، بدا أن الحرب لن تخرج عن إطارها المحلي أو الإقليمي المحدود لكن في السنوات الأخيرة وخاصة بعد 2023م أكدت أن اليمن تحوّل إلى ساحة صراع متشابك بين طهران وواشنطن و بين تل أبيب وما يسمى ب"محور المقاومة" وبين أطراف دولية تتنافس على النفوذ قرب أهم الممرات البحرية في العالم.
لقد بات واضحاً أن كل ضربة جوية وكل تحرك عسكري وكل بيان سياسي – مهما كانت دوافعه المعلنة – يضيف طبقة جديدة من المعاناة على كاهل المواطن اليمني.
فبين ضربات الخارج وخراب الداخل في ظل تصاعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية على المواقع الحوثية والمنشآت العامة في صنعاء وصعدة والحديدة يتم الحديث عن استهداف "منشآت عسكرية" لكن في الواقع على الأرض يكون الأثر الحقيقي هو تهجير عائلات و تدمير منازل مجاورة لتلك المنشآت وذعر دائم في نفوس الأطفال والنساء.
المدنيون الذين لا يملكون سلاحاً ولا أجندة يجدون أنفسهم في قلب المعركة بلا حماية ولا صوت يسمع صراخهم وأنيين جوعهم.
أما الجهات المتصارعة فلكلٍ منها سرديته الخاصة وكل طرف يرى نفسه "ضحية" ويُسقط المسؤولية عن معاناة الناس على الطرف الآخر.
أما الفقر والجوع فهو سلاح موازٍ للحرب فوفق تقارير أممية يعيش أكثر من 80% من اليمنيين تحت خط الفقر وأكثر من 17 مليوناً يواجهون انعداماً في الأمن الغذائي. ومع ذلك تستمر القوى الإقليمية في ضخ السلاح وتستمر الدول الكبرى في بيع الطائرات المسيرة والصواريخ دون أن يلتفت أحد إلى فقراء اليمن الذين يبيعون مقتنياتهم إن وجدت لشراء دقيق أو حليب لسد رمقهم.
وفي الوقت الذي تُنفَّذ فيه ضربات جوية بملايين الدولارات لا يستطيع كثير من اليمنيين شراء وجبة واحدة ساخنة لأطفالهم.
فالطفولة في اليمن جيل ضائع بين المليشيا والمجاعة
لا تقتصر الكارثة على الكبار فقط فهناك جيل كامل نشأ وسط الدمار لم يعرف المدارس إلا نازحاً ولم يعرف الكهرباء إلا في أحاديث الكبار آلاف الأطفال زُج بهم في جبهات القتال وآلاف غيرهم فقدوا أطرافهم في انفجارات الألغام أو غيرها أو يعيشون في مخيمات النزوح تحت رحمة الطقس والأوبئة.
في الختام هناك سؤال يفرض نفسه من يعيد لليمنيين إنسانيتهم المفقودة؟!
ففي معركة الكبار التي تدور على أرض اليمن لا رابح حقيقي سوى -صفقات السلاح ومشاريع النفوذ- أما الشعب اليمني فهو الحلقة الأضعف الحلقة المنسية التي تدفع وحدها كلفة الحرب والخراب دون أن تجد من يلتفت لوجعها أو يمنحها حق الحياة.
ولعل السؤال الأهم ليس كيف ستنتهي الحرب؟ بل من سيعيد لليمنيين ما سُرق منهم من سنوات وأحلام وكرامة وإنسانية؟
فهناك ملايين النازحين في الداخل والخارج على قارعة الإنتظار في أمل العودة إلى ديارهم ليعيشوا ماتبقى من أعمارهم بسلامٍ آمنين كبقية الخلق في الدول الأخرى بعيدا عن الخوف الذي أزاحههم من مدنهم وقرآهم!
-->